موسوعة تستحق الثناء

ت + ت - الحجم الطبيعي

يعلم الشغوفون بالثقافة والمعرفة والباذلون أوقاتهم وسنوات عمرهم فيها، أنها ليست كالتجارة أو الصناعة مما يدر عليهم موارد تحقق الكثير، بل هم أناس وظفوا قدراتهم وإبداعاتهم في طريق آخر قد يكلفهم فوق الجهد والوقت مالاً من جيبهم، وكثيرون ممن أعرفهم يفعلون هذا، وهؤلاء لشغفهم بالعلم والثقافة والمعرفة دوافع سامية منها الإنارة المعرفية للناس لجذبهم للثقافة والمعرفة، ومنها عمل وطني يسند الحراك الثقافي والمعرفي للوطن، ومنها البعد الإنساني، حيث الثقافة حاضنة مهمة للقيم التربوية والأخلاقية، ومنها البعد التوثيقي الذي يبقى تراثاً للأجيال على مر الزمن.

وهؤلاء المضحون من رواد الثقافة، رجالاً ونساءً، هم بحد ذاتهم قدوات للأجيال وقناديل مضيئة في مسيرة العطاء على المجتمع أن يحتفي بهم وللاحتفاء صورٌ وأشكال.

واليوم يحق لنا أن نحتفي برائدة من رواد الثقافة الإماراتية، أنجزت مشروعها الثقافي التاريخي الأول (متحف المرأة) وهو الأول من نوعه في العالم، ومن مركز دراسات المرأة في هذا المتحف خرجت لنا بمبادرة نوعية ورائدة أخرى هي (موسوعة المرأة الإماراتية).

تلك الرائدة هي الدكتورة رفيعة عبيد غباش التي أتحفت المكتبة الإماراتية والعربية بموسوعة تاريخية وفق معايير علمية دقيقة سدّت فراغاً كبيراً وستكون مرجعاً مهماً للباحثين والدارسين عن تاريخ المرأة الإماراتية.

لقد امتلأت د. رفيعة ومنذ طفولتها بالمعرفة، وشبّت على حب الثقافة وصار الكتاب رفيق حياتها، وازداد شغفها بالثقافة كلما ازداد حبها للإمارات، حتى أدركت أنها يمكن أن تترجم هذا الشغف الثقافي كمنجزات لإماراتنا، فحققت بعض ما تصبو له، فكان متحف المرأة أولاً، وموسوعة المرأة الإماراتية ثانياً، ولعل في فكرها مشاريع ثقافية أخرى.

أخذت الدكتورة رفيعة نماذج للرائدات والمميزات من النساء الإماراتيات خلال المدى الزمني من 1900 م حتى عام 2018 م، حيث ظهرت الموسوعة بمجلد فخم بـ 455 صفحة من القطع الكبير، وبلغ عدد النساء الرائدات والمبدعات فيها المئات من شتى صنوف الريادة والتميز والإبداع، إضافة إلى العديد من الجمعيات النسائية والمراكز والمنتديات الثقافية التي أسستها وتديرها نساء إماراتيات.

ومن خصائص هذه الموسوعة أنها عرفت بنساء الرعيل الأول من الشيخات الرائدات الحكيمات وأمهات القادة ممن كان لهن دورٌ كبيرٌ في تعزيز المكانة التاريخية للدولة، وكان لهن حضورهن السياسي والاجتماعي بما تحلين به من حكمة ودرايةٍ ومكانة، ومنهن الشيخة سلامة بنت بطي، طيب الله ثراها، والشيخة حصة بنت المر، ثم مع قيام اتحاد الإمارات تجلى دور سمو الشيخة فاطمة بنت مبارك، والتي كان لها دورها المميز فيما حققته المرأة الإماراتية من تميز وحضور وإنجاز في كافة المجالات.

كما لم تغفل الموسوعة دور الرائدات من الأسر الحاكمة على مستوى دولة الإمارات، وتضمنت النساء المبرزات في السنوات التي لم يكن فيها للتوثيق وسيلة سوى الروايات الشفوية فعمدت إلى التوثيق الشفاهي، كي لا تترك للباحثين فراغاً، ولعل الجهد التوثيقي للموسوعة لم يكن هيناً في تلك المراحل التاريخية، أي قبل تأسيس الدولة وما بعدها لحين انتشار التعليم والكتابة والصحافة والكتب، كذلك وثقت الموسوعة لنسائنا الرائدات والمبدعات المعاصرات لتشمل عطاءهن في جميع جوانب الحياة وثمنت عطاءهن.

جهد مضنٍ قضته الدكتورة رفيعة عبيد غباش بمساعدة الباحثة الدكتورة مريم سلطان أحمد لوتاه على مدى عشر سنوات متواصلة بلا استراحة أو فاصلة.

تقول الدكتورة رفيعة في آخر الموسوعة: «موسوعة المرأة هي عن نساءٍ ولدن على هذه الأرض الطيبة، وتركن بها آثارهن قبل أن يغادرنها، نساء جبلتهن هذه الأرض على حب ترابها، وغسلن أجسادهن في ملوحة بحارها، نساء تعاطين محبة القيم والعدالة مع الشجاعة، وأرضعن أبناءهن الحكمة والمحبة والمعرفة، وعشن يتطلعن إلى جعل حياتهن ملأى بالمعاني الفاضلة».

وقد جاءت الموسوعة مصنفة ومبوبة حسب المراحل التاريخية وحسب مجالات العطاء، موثقة بالسير التاريخية المختصرة لكل إماراتية مع صورتها، ولكثير من الشاعرات نصوص منتقاة من شعرهن.

بورك كل جهدٍ وطني مخلص، سواء في مجال الثقافة أو غيره، وما أروع ما قاله الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه : «إن قيمة الإنسان بعلمه وعمله، وإن العمل هو الخالد». وفق الله كل العاملين المخلصين.

Email