النكبة الفلسطينية

ت + ت - الحجم الطبيعي

يحيي الفلسطينيون وبعض العرب، في الخامس عشر من مايو من كل عام، ذكرى احتلال الجزء الأكبر من فلسطين من قبل العصابات العنصرية الصهيونية.

وبدعم من الاستعمار البريطاني، وضم الجزء المتبقي منها والذي سُمي بالضفة الغربية إلى شرق الأردن، وتكوين المملكة الأردنية الهاشمية، وخضوع قطاع غزة للإدارة المصرية.

كانت نتائج النكبة كارثية على الشعب الفلسطيني: لجوء، فقدان الجنسية بفقدان العيش في دولة خاصة به، اضطهاد في الحياة اليومية.

لكن الفلسطيني لا يحيي نكبة حدثت ومضت، بل نكبة مستمرة على نحو أبشع من وقت حضورها وأشنع. فها هي فلسطين كل فلسطين محتلة، والفلسطيني في غزة والضفة يعيش في أبشع شروط عيش يومية. إنها لمن الحالات النادرة جداً أن يحيي شعب نكبته وهو يعيشها، ويدفع ثمن نكبة تعرض لها واشتركت جماعات ودوّل شتى في صناعتها.

ليس هناك قبح في العالم كله يفوق قبح إسرائيل. وجود إسرائيل هو وجود الشر المطلق في هذا العالم، وأبشع من هذا الشر شر الاعتراف به.

يقف الفلسطيني في حال من الدهشة والذهول في كل مرة يعيش فيها آثار النكبة على حياته، وأمام كل مواجهة مع عدو مدللٍ من القاصي والداني والقريب والغريب. ويتساءل كيف جرى ما جرى، ولماذا، وإلى متى؟ أسئلة يعرف أجوبتها، ولكنه لم يستوعب الأجوبة بسبب غرابتها.

فللعقل حدود في تصديق اللا معقول لا يستطيع تجاوزها. أما ما حدث فلقد تجاوز هذه الحدود لدرجة أن ليس بمقدوره تصديق وقائع النكبة الفلسطينية.

تقول الوقائع البسيطة إن اليهودي الأوروبي قد أسس حركة أيديولوجية أطلق عليها اسم الحركة الصهيونية، يشرع عدد من اليهود إلى الهجرة لفلسطين، يسكن المهاجرون إلى جانب الفلسطينيين.

يعد وزير خارجية بريطانيا العظمى اليهود بوطن قومي لهم في فلسطين 1917، تقع فلسطين تحت الانتداب البريطاني، يسهل الانتداب الهجرة لمئات الآلاف من يهود أوروبا، يعلنون في عام 1948 عن قيام دولة اسمها إسرائيل، بعد أن يهزموا جيوش الإنقاذ العربية.

يفر مليون فلسطيني من مدنهم وقراهم إلى دول الجوار، ويبقى الجزء اليسير على أرضه وتفرض عليه جنسية الدولة المعلنة - إسرائيل. وما تبقى من سكان فيما سُمي لاحقاً يتحولون إلى مواطنين أردنيين. وفي عام 1967 تغزو إسرائيل ثلاث دول عربية فتحتل كل ما تبقى من فلسطين وسيناء والجولان، لتكتمل التراجيديا الفلسطينية وتبدأ فصول جديدة لا أحد يدري نهاياتها.

هذه الوقائع الغريبة التي ذكرت معروفة للقاصي والداني، ولكن غير قابلة للتصديق أبداً. ولَم يمزح التاريخ أبداً مع بلادنا بمثل هذه المزحة المزعجة من قبل.

فالغزو المغولي - التتري جاء على أنقاض حضارة منهارة، ودمر وقتل ولكنه زال وزالت آثاره ولَم يستطع أن يقتطع من بلادنا شبراً واحداً ليبني عليه دولة غريبة، والغزو الصليبي لم يستطع - رغم احتلاله حواضر مهمة، بما فيها القدس - أن يؤسس له دولة قابلة للحياة، بل ممالك صغيرة سرعان ما طواها النسيان.

والغزو المغولي أو الغزو الصليبي كانا من طبيعة تاريخ ذلك الزمان القائم على الغزو، أما أن يتم احتلال أرض يعيش عليها شعب منذ آلاف السنين وطرده في منتصف القرن العشرين، وتأسس على مدنه وقراه دولة تحوز على الاعتراف، فهذا ضد منطق العصر بكل المعايير.

وهذا هو وجه اللا معقولية في النكبة الفلسطينية. وقد تسألون ما السبيل للخروج من هذه النكبة، وخلق الشروط الضرورية للفلسطيني من أجل العيش الطبيعي في هذه الحياة أسوة بكل شعوب المعمورة؟

إن طرح الحلول لا معنى لها دون توافر وسائل تحقيقها. ولأن كل الحلول المعقولة يرفضها عدوناً فإن الخروج من هذا المأزق مستحيل دون حمل العدو على الاعتراف أولاً بالحق الفلسطيني.

ولهذا، فالقول بدولة فلسطينية على حدود 67 وعاصمتها القدس، أو دولة واحدة ثنائية القومية، الخ قول لا قيمة له أبداً من دون الأدوات الداخلية الفلسطينية والعربية التي تعمل معاً لتحقق ما يقال وما يطرح. والظن بأن العالم الفاعل سيمن علينا بحل ونحن نرفع أيادينا إلى السماء ضرب من الوهم. فالسماء لا تمطر ذهباً ولا فضة.

 

Email