إيران والمصير العربي المشترك

ت + ت - الحجم الطبيعي

ظهور أصوات عربية رافضة لقرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب، الانسحاب من الاتفاق النووي مع النظام الإيراني، يثير تساؤلات جدية حول طريقة التصدي لاستغلال إيران للاتفاقية، في توسيع تمددها في الدول العربية، وليس الخطر النووي فقط، حيث عجزت المواقف العربية على مدى أربعة عقود تقريباً، عن تحقيق توافق على ما يمثله هذا النظام من تهديد في استقرار الدول العربية.

أغلب المراقبين السياسيين، افترضوا أن يتسبب قرار ترامب، في توحيد المواقف العربية، وتصبح موقفاً واحداً، ويتحقق حلم الشعب العربي أن «يتفق العرب ولو لمرة واحدة»، وبالتالي، الاستفادة من الزخم الإقليمي والدولي، والضغط على النظام الإيراني لتعديل مواقفه.

ولكن هذا لم يحدث، ودخل العرب، كالعادة، في مزاد المزايدات على الرفض، كل بطريقته، والغريب أن مواقف بعض الدول المتضررة، مالت، للأسف، إلى الموقف الإيراني.

قرار ترامب، يمكن أن يغير مجرى الصراع التاريخي مع إيران، إلا أن مواقفنا، ربما تحقق لإيران ما تريده لنا، وهو تعميق التدخل في الشأن العربي، وسلب قراره السياسي.

التلاعب على اختلافات العرب، من أهم الوسائل التي توظفها السياسة الإيرانية، فيبدو بعضهم «إيرانيون أكثر من الشعب الإيراني نفسه»، حتى يبدو كأنه لا يخصه ما يحدث في الدول العربية الأخرى، ولا يعنيه ما يظهره الشعب الإيراني نفسه من تذمر، وما يبديه من احتجاج على المغامرات السياسية الخارجية لنظام الملالي، والتي لا تفيده، بل تضره، وتضر إيران بكاملها.

القلق الدولي والعربي، ليس من الاتفاقية النووية فحسب، وإنما هو قلق مرتبط بكل ما يتعلق بعمليات ونوايا النظام الإيراني في المنطقة والعالم. فقد توسّعت عملياته بشكل لافت للنظر، ولا سيما بعد الفوضى التي حدثت في المنطقة، حيث كان هو المستفيد الوحيد، وبالتالي، لا ينبغي علينا النظر إلى القرار من زاوية خطر «البرنامج النووي» فقط، بل من منظور سياسي عام، حيث تهدد إيران، الممرات الدولية التي تسيطر عليها الدول العربية.

إيران الآن تبدو الدولة البريئة بالنسبة لبعض الأنظمة العربية، وكأنها هي أقرب إلى الشعوب العربية، مع أنها تقوم بتقتيل الشعب العربي، على نحو ما تفعله في سوريا والعراق، باسم الطائفية.

ليس شرطاً أن يكون لقرار ترامب تداعيات سلبية، بل هو قد يتحول إلى ميزة بالنسبة للعرب، وربما يكون كذلك، حتى للنظام نفسه، وبالتالي، للشعب الإيراني، ومن ثمّ فقد يحقق جملة أهداف إيجابية، إذا اقتنع الجميع، لا سيما إيران، بأن تعديل الاتفاقية النووية، من شأنه أن يحقق الاستقرار والأمن في المنطقة. وهو ما يجب أن تعيه إيران، التي كان يجب عليها توظيف أموالها في تحقيق التنمية وتحسين المستوى المعيشي للشعب الإيراني، بدلاً من توظيفها في تمويل المليشيا والتمدد في الدول العربية.

للأسف، لو جردنا المرات التي اجتمع فيها العرب من أجل وضع حد للتدخل الإيراني، أو حتى في مناقشته في أسباب التدخل في الشأن العربي، ولو تتبعنا المواقف العربية، بغرض توحيدها في مواجهة الطموحات الإيرانية المضرة، لخرجنا بنتيجة واحدة، إنها المزيد من التردد والخصام والانقسام السياسي.

قرار الرئيس ترامب، وعلى الرغم أنه لم يقره الجميع ممن وقع الاتفاقية النووية من الأوروبيين، يعد قراراً تاريخياً، على الأقل، لأن الدولة العظمى في السياسة الدولية، متعاطفة مع الموقف العربي، سواء كان هذا التعاطف من أجل المصلحة، أو من أجل تحقيق أهداف أخرى.

النظام الإيراني، وعلى مدى أربعة عقود، يحصد مكاسب كبيرة، جراء استمرار الخلافات العربية، أحياناً بدرجة لا يمكن فهمها أو استيعابها، بل إننا أحياناً نجد الخلافات العربية في ما يخص إيران، تكبر حتى بين بعض الدول العربية، بسبب إيران، ما يؤكد وجود فجوة حقيقية بين العرب في تحديد مواقفهم تجاه التهديدات التي تواجههم.

الغريب أن العرب كلما أتيحت لهم فرصة لمواجهة خصومهم، قام فريق منهم بالقفز على تلك الفرص، وتفويتها بطريقة غير مفهومة، وكأنهم مصرون على تطبيق المقولة التاريخية التي ارتبطت في الصورة الذهنية عنهم: «اتفق العرب على ألّا يتفقوا».

Email