بين بؤس التحيز ومرارة التمييز

ت + ت - الحجم الطبيعي

أحداث أميركية متفرقة الأسبوع الماضي دارت كلها في إطار التحيز ضد الآخر المختلف، والذي هو الأصل الذي ينبني عليه أي تمييز عرقي أو ديني.

ففي ولاية كاليفورنيا، وجد ثلاثة من الفنانين السود أنفسهم قيد التعرض للحبس دون ارتكاب جريمة. فالفنانون الثلاثة، اثنان منهم يحملان الجنسية الكندية والثالثة حفيدة المطرب الراحل الشهير بوب مارلي، كانوا يغادرون منزلا استأجروه متجهين للمطار.

وبينما يضعون حقائبهم بالسيارة التي ستقلهم إذا برجال الشرطة يحيطون بهم رافعين أسلحتهم ومحذرين من أن لا طائل من الهرب لأن طائرة هيلكوبتر تابعة للسلطات تحوم بالمنطقة. فقد تبين أن جارة بيضاء أبلغت الشرطة بأن بعض السود يسرقون أغراضا من منزل مجاور لمنزلها ويحملونها في حقائب.

وعبثا حاول الثلاثة أول الأمر إقناع رجال الشرطة بأنهم استأجروا المنزل بشكل قانوني. ولم ينته المشكل إلا بعدما اتصلوا بصاحبة المنزل التي أكدت للشرطة ما قالوه.

وفى متجر للملابس بالولاية نفسها تعرضت شابتان من السود للطرد من المتجر بعد أن قالت سيدة بيضاء المديرة إن الفتاتين تسرقان.

ورغم أنه لم يصدر عن أي من الفتاتين ما يشير، ناهيك عن أن يثبت، شيئا من ذلك، بل كانتا في غرفة قياس الملابس عندما أبلغت عنهما السيدة البيضاء، إلا أن ذلك لم يغير في الأمر شيئا.

وعبثا حاولت كل منهما شرح الموقف، لكن المديرة أصرت على طردهما من المتجر دون سماع كلمة واحدة منهما.

وفى جامعة ييل، كانت الجريمة التي ارتكبتها طالبة سوداء بالدراسات العليا وتقيم بالسكن الطلابى هي أنها غفت حوالي ربع الساعة في الغرفة المخصصة لاستخدام الجميع. فهي استيقظت على صوت رجال الأمن الذين اتصلت بهم طالبة بيضاء تقطن السكن نفسه.

وقالت الفتاة السوداء للشرطة إنها غفت بعد إرهاق الانتهاء من بحث تعده وأنها تقيم بالمسكن الذي تقع فيه الغرفة، فقالوا لها إنهم سيغادرون فورا لو أثبتت ذلك، ولكنها بعد أن قادتهم لغرفتها وفتحتها بمفتاحها الشخصي، لم يغادروا وطالبوها بالمزيد من الإثباتات.

وقد جاءت الوقائع الثلاث على خلفية وقائع أخرى جرت الشهر الماضي، كان أشهرها تلك التي وقعت بمقهى ستاربكس بمدينة فيلادلفيا. فقد دخل شابان أسودان المقهى وجلسا ينتظران شخصا ثالثا كانا على موعد معه، ولم يطلبا المشروبات انتظارا لزميلهما.

وحين طلب أحدهما استخدام دورة المياه رفضت المديرة مشيرة إلى أنه مخصص فقط لرواد المقهى. ورغم أن الشابين أوضحا أنهما ينتظران ثالثا، إلا أنها قامت بالتصعيد فاتصلت بالشرطة التي حضرت واقتادت الشابين مكبلين للمخفر، حيث مكثا هناك لمدة 11 ساعة قبل إطلاق سراحيهما.

ومن بين الوقائع اللافتة التي نشرتها الصحف الكندية أن الحكومة الأميركية اضطرت لتقديم اعتذار رسمي للحكومة الكندية ولوزير من وزرائها بسبب الطريقة التي عومل بها في مطار ديترويت نهاية العام الماضي.

ففي زيارة له للولايات المتحدة، تعرض نافديب بينز، وزير التطوير العلمي والاقتصادي، الذي ينحدر من أصول هندية، لموقف مع سلطات المطار التي طالبته بخلع عمامة الرأس التي يرتديها السيخ. وهو الموقف الذي لم تتراجع عنه تلك السلطات إلا بعد أن أخطرهم الوزير بشخصيته وكونه وزيرا بالحكومة الكندية.

وبمجرد وصوله لبلاده رفع بينز الأمر لوزارة الخارجية التي قامت بدورها بالاحتجاج رسميا، الأمر الذي اضطرت معه الولايات المتحدة لتقديم اعتذار رسمي للوزير الكندي ولبلاده.

وحين أعلنت الحكومة الأميركية اعتذارها، قال الوزير نافديب بينز إنه يقبل الاعتذار ثم أردف قائلا إن سلطات المطار سمحت له بالصعود للطائرة فقط بعد أن عرفت من يكون «وهو ما لا ينبغي أن يكون عليه الحال.

فالقضية ليست مكانتك ولا موقعك». والوزير بالقطع محق فيما قال، وكلماته تنطوى على دلالة مهمة. فلو أن سلطات المطار تملك ما يدعوها للارتياب، لما تركته يصعد للطائرة حتى لو كان وزيرا، وهو ما يعني أن مطالبتها له بخلع عمامة الرأس كانت تحيزا ممجوجا لأنه ببساطة يمثل الآخر المختلف سواء في لون البشرة أو الدين أو كليهما معا.

والوقائع السابقة كلها تشير إلى تحيز سواء من جانب النساء البيض اللائي أبلغن عن أصحاب البشرة السوداء دون جريمة اقترفها أي منهم، أو من جانب سلطات المطار التي لم تر في راكب، قبل أن تعرف أنه وزير بحكومة دولة حليفة، سوى هيئته الخارجية ولون بشرته.

ورغم أنها جميعا وقائع بائسة إلا أن الواقعة الأكثر بؤسا في تقديري هي واقعة طالبة جامعة ييل. فتخيل معي، عزيزي القارئ، لو أن ابنتك النابهة المتفوقة، تفوقت على أقرانها ونجحت في القبول للدراسات العليا بجامعة من جامعات القمة مثل ييل، ثم راحت تعكف على دروسها بكل جدية، حتى إنها غفت بعد أن انتهت من كتابة بحث فإذا بها تتعرض لموقف كهذا لمجرد أن زميلة لها تعاني من مرض التحيز ضد أصحاب البشرة السوداء. فماذا سيكون شعورك، وماذا سيكون تأثير ذلك على وجدان ابنتك؟

Email