مصيدة السؤال الملغوم

ت + ت - الحجم الطبيعي

أعجبني رد ذكي لوزير خارجية إحدى الدول العربية، حينما وجّه إليه أحد الإعلاميين سؤالاً محرجاً أو "ملغوماً" في مؤتمر صحافي، وهو: "ما رأيك إذا حدث كذلك"؟، فقال ببساطة وهو يبتسم: لا أجيب عن أسئلة افتراضية! ثم أشاح بوجهه عنه ليجيب عن سؤال آخر لصحافي في الطرف الآخر من القاعة.

من حق الإنسان أن يجيب عما يشاء وفي الوقت المناسب، وحينما يترتب على إجاباته تداعيات تمس مصالح البلد العليا، أو المؤسسة التي يعمل بها، فإنه يجدر به الحذر قبل الإجابة عن سؤال ملغوم.

والسؤال الملغوم هو عجينة من الافتراضات، بعضها غير صحيح أو غير واقعي، والهدف جر المجيب إلى إجابة تورطه أو تلبي مبتغى السائل. ومن أشهر الأمثلة، ما سألته مقدمة برنامج 60 دقيقة «ليستلي ستال»، سفيرة الولايات المتحدة في الأمم المتحدة، مادلين أولبريت، حينما قالت لها عام 1996:

سمعنا أن عدد القتلى من أطفال العراق بلغ نحو نصف مليون طفل، جراء العقوبات التي فرضتها الأمم المتحدة، وهو ما يتجاوز عدد الأطفال الذي قضوا نحبهم عند إلقاء القنبلة النووية في هيروشيما، فهل يستحق الأمر ذلك؟، فقالت السفيرة بعد برهة تأمل «كان خياراً صعباً..

لكن نعم يستحق الأمر ذلك»!، فوقعت في مغالطة، لأنها قبلت الافتراض. مادلين أصبحت لاحقاً أول وزيرة خارجية لأميركا (في حقبة الرئيس كلينتون)، التي ربما أن تعلمت من هفوتها البسيطة تلك. وكذلك الحال مع من يسأل: «هل ما زلت تضرب زوجتك؟»، فأياً كانت الإجابة «بنعم» أو «لا»، فهي اعتراف ضمني بأن المجيب كان في مرحلة ما يمارس هذا السلوك المشين!

مشكلة الأسئلة الملغومة، أنها تأتي من شخص مجهول، يتستر خلف اسم مستعار في وسائل التواصل الاجتماعي. لذا، من حق المجيب تجاهله حتى يعرب عن نفسه. فهناك من يستغل التخفي للإيقاع أو الوشاية بين الناس، وليس بالضرورة هروباً من غياب أجواء الحرية.

ومن صور الأسئلة الملغومة التي زاد شهرتها الإعلاميون «السؤال المركب» complex، الذي يضم تركيبة فيها شيء من التعقيد، فيرتكب المجيب مغالطة حينما يجيب عنه. والسبب أن هذا السؤال الفخ، يضم عبارتين مرتبطتين، أو تؤدي إحداهما إلى الأخرى، فإذا أجاب فهو ضمنياً يقبل الجزء الآخر من العبارة. وهي تبدأ عادة بكلمات مثل:

هل تعتقد، ترى، توافق أو تريد قول كذا وكذا وكذا. فإذا قال نعم، فهو لم ينتبه إلى أن إحدى تلك العبارات لا يتفق معها، فيصطاد في الماء العكر.

وقد درست تفاصيل الأسئلة واللغة الملغومة loaded language في جانب من دورة أجريت للصحافيين حول العالم، في فيينا، فرأينا بأمثلة عملية، كيف توتر تلك الاستخدامات علاقات الأفراد والمؤسسات. ولذا، كان الحل بتجاهل السؤال الملغوم بابتسامة أو بإعادة السؤال نفسه بنبرة صوت تهكمية، ثم تأمل وجه السؤال، لعله ينحرج، وإن لم يفعل، فيكون الامتناع الصريح عن الإجابة.

ليس من الشجاعة سرعة الإجابة عن «سؤال ملغوم»، لأن الحكمة تقتضي التروي أو التجاهل أو اختيار التوقيت المناسب.

 

Email