إيران رائدة صناعة الأعداء

ت + ت - الحجم الطبيعي

لم يفاجئنا نظام الملالي في إيران بتقديم الدعم لمقاتلي جبهة البوليساريو في خلافها مع المملكة المغربية، الذي ترتب عليه قطع المغرب للعلاقات الدبلوماسية مع إيران، فقد صارت سياسة التدخل في الشؤون العربية «سلوك» النظام الإيراني، بل إن توقفه عن ممارسة هذا السلوك هو ما ينبغي أن يكون مصدر المفاجأة والاستغراب للمراقبين.

التدخل في الشأن العربي ليس شرطاً أن يكون له هدف استراتيجي لهذا النظام - الذي يواجه حالياً صعوبات دولية، بعدما كشفت إسرائيل عن نوايا برنامجه النووي.

- وإنما التدخل هو بحد ذاته هدف لإشباع «غطرسته» السياسية على كل ما هو عربي، لأنه لا يوجد سبب من حيث (المنطق السياسي) يدفع بنظام يتمتع بفكر سياسي لأن يساعد جبهة منشقة تبعد مسافات عنه ليدعمها، سواء أكان الدعم مالياً أم لوجستياً.

المفاجأة الحقيقية تكمن في عدم شعور هذا النظام بأن الاحتجاجات التي تشهدها إيران منذ بداية هذا العام سببها سلوكياته في خلق الأعداء في الإقليم والعالم من خلال تمويل الميليشيات والتنظيمات السياسية التي تثير الفوضى في مختلف الدول، دون أن يحقق هذا النظام أو الشعب الإيراني أي مردود منه.

يكاد العالم العربي كله يعاني من التدخلات الإيرانية، فإذا افترضنا أن دول الجوار العربي لإيران (دول مجلس التعاون الخليجي) تعاني من هذه السياسة التي يدينها القانون الدولي.

فإن الدول العربية الأخرى بما فيها البعيدة جغرافياً لم تسلم من هذا التدخل، سواء في القارة الآسيوية أو الأفريقية، بل إني لا أبالغ إن قلت إن كل، وليس أغلب، الدول العربية تعاني من السياسة الإيرانية في إثارة الفوضى؛ لأن تمويلاتها لا تعرف حدوداً، سواء جغرافياً أو سياسياً أو قانونياً.

المثير للدهشة، أنه في الوقت الذي يكتنف المشهد السياسي الإيراني الخارجي صعوبات تحتاج منه إلى كسب أصدقاء نجد أنه يقوم بتصرفات وسياسات تخلق عداوات جديدة. إنها مفارقة صعبة الفهم على كل المراقبين.

ويزداد الأمر صعوبة حين يتفنن هذا النظام في استعداء مواطنيه كونه في الوقت الذي يحرمهم من أموالهم متعذراً بالعقوبات الدولية، يقوم بتمويل المشكلات، ويسهم في خلق الفوضى في مناطق مختلفة من العالم حتى تلك البعيدة عن إقليمه، مع أنه يدرك أن شعبه يعاني مشقات اقتصادية.

يبدو أنه حكم على الشعب الإيراني أن يسدد فاتورة أخطاء سياسات نظامه الخارجية، على الرغم من أن انتفاضات الشعب الإيراني بدءاً من الثورة الخضراء في عام 2009 إلى اليوم كلها تدور حول الرغبة في تحسين المستوى الاقتصادي والاجتماعي.

إلا أن ما يراه الرأي العام العالمي هو تبديد لأموال الشعب الإيراني الذي يصل تعداد سكانه إلى نحو (80) مليون نسمة، نصفهم تقريباً يعانون مأساة اجتماعية اقتصادية بسبب البطالة وثلثهم تقريباً يعيشون تحت خط الفقر.

لعل نظام الملالي نسي وعوده للشعب الإيراني الذي قام بالثورة على نظام الشاه في عام 1979 بإنقاذ الشعب الإيراني الفقير، وعلى الرغم من محاولات الشعب تذكيره بها فإن إصراره على تجاهل صوت الشعب يدل على أنه إما خان مبادئ الثورة وأهدافها.

والتي بلا شك أن أحد أهدافها هو ضمان مستوى معيشي مقبول للشعب الإيراني، وإما أن رجال الثورة بما فيهم الإصلاحيون تاجروا بمصالح الشعب واتخذوا منها ستاراً لتحقيق أهدافهم، وهذا أقرب للحقيقة!!

النظام الإيراني يؤكد للعالم أنه «أشهر نظام» في العالم يجيد سياسة خسارة الأصدقاء، ولو من دون هدف. وفي المقابل أيضاً يوضح أنه يعيش مأزقاً سياسياً حقيقياً من المجتمع الدولي نتيجة لانكشاف مشروعاته التدميرية، وبالتالي فإن تصرفاته تدل أنه لا يعرف كيف التصرف.

التفسير الوحيد لإصرار هذا النظام على تمويل التنظيمات منذ نجاح الثورة أن الحياة الكريمة للشعب الإيراني ليست ضمن أولويات هذا النظام، وكأنه لا يرى ما يحدث في الجوار، ولا حتى في العالم من الاهتمام بالمواطن، ولا يريد أن يتفاعل مع مطالب شعبه التي لخصها في إيقاف الحروب الفاشلة، وفي شراء الولاءات الطائفية.

دارسو العلاقات الدولية، يؤكدون أن تركيز أي نظام على المغامرات السياسية الخارجية هو دليل ضعفه داخلياً، وليس دليل قوة كما تحاول النظم الشمولية إيهام العالم به.

 

 

 

Email