القمة الكورية والنفق الإيراني المظلم

ت + ت - الحجم الطبيعي

رحبت دولة الإمارات، كما باقي دول العالم، بالقمة التاريخية التي جمعت رئيسي كوريا الجنوبية مون جيه إن، وكوريا الشمالية كيم جونج أون معتبرة أن هذه القمة تشكل منعطفاً مهماً في نزع فتيل التوتر في شبه الجزيرة الكورية.

وأضيف من عندي، بأن هذه القمة تعتبر شيئاً مختلفاً في طريقة إدارة أزمة سياسة دولية يفترض أن لها انعكاساً في أزمة شبيهة في منطقة الشرق الأوسط التي تعاني احتقاناً سياسياً سببه توسيع تعنت نظام «الملالي» في إيران وعناده في الاستفادة من الفرص التي تمنح له.

بإمكان كل واحد أن يقدر وضع النظام الإيراني وغطرسته سواء كونه ممسكاً بالكثير من الملفات المعقدة في المنطقة مثل: الميليشيات الطائفية، أو دعم التنظيمات الإرهابية، أو السيطرة على القرار السياسي في بعض العواصم العربية أو حتى من كونه نظاماً يمتلك ملفات حساسة وبالتالي هذا يسوغ له المراوغة من الالتزامات الدولية، إلا أن إعلان الرئيس الكوري الشمالي (الذي دخل التاريخ) وقف برنامجه النووي وسعيه لإخلاء منطقة شبه الجزيرة الكورية من هذا السلاح «المخيف» وكذلك إيقاف تجاربه للصواريخ الباليستية فإن الأمر يضع النظام الإيراني في زاوية ضيقة مع شعبه وإقليمه والمجتمع الدولي.

في نظر الرأي العام العالمي إيران هي الوحيدة الآن التي تتمسك بهذا السلاح الذي يهدد الأمن والاستقرار الدوليين وهم على حق، وبالتالي فإن تهديدات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بالانسحاب من الاتفاقية النووية (5+1) التي وقعتها مع إيران والتي يحين موعد تجديدها في 12 مايو الحالي، ستجد مبرراً لإدانة النظام الإيراني وبالتالي تأييد موقف الإدارة الأميركية في التضييق على السياسة الإيرانية وهو ما يعني انتقاد محاولة أية دولة أوروبية تسعى لتخفيف الضغط على طهران.

قبل «اللقاء الكوري» كانت المقارنة بين أيهما أفضل، النظام الإيراني أم الكوري الشمالي، فيها شيء من الكذب والتدليس والصعوبة أيضاً، على الأقل لأن الفروقات بينهما كانت معدومة أو شبه معدومة فتصريحات النظامين لم تخرج تهديد جيرانهم، الذين يسجلون أعلى مستويات التنمية، بإيذائهم إن تم استهدافهم من الولايات المتحدة، لكن الأمر اختلف كاملة بعد اللقاء وبالتالي يغدو موقف النظام الكوري الشمالي إيجابياً ومقبولاً من صناع القرار السياسي الدولي وأن سعيه للتخلص من الأسلحة النووية وجد صدى عالمياً، الأمر الذي يطرح تساؤلاً كبيراً حول جرأة اتخاذ إيران لمثل هذا القرار..!!

الطريف في الموضوع أن هناك رغبة أوروبية واضحة في عدم إغضاب إيران من خلال المحاولة في عدم التفريط في الاتفاقية النووية التي استفاد منها النظام الإيراني في توسيع تمدده الإقليمي وبالتالي فإن مسألة قبول النظام الإيراني في تعديله مستبعد، حيث من الواضح جداً المساعي التي يبذلها المسؤولون الأوروبيون من أجل إقناع الإدارة الأميركية بعدم إلغاء الاتفاقية أو الانسحاب منها، قبل معرفة الموقف الإيراني منه أصلا إلا من خلال تصريحات مسؤوليه الإعلامية وبالتالي يبدو أن إيران تتحرك في المفهوم الأوروبي للأسف من مركز قوة أو هكذا يبدو لنا.

يمكن تلخيص وصف المشهد السياسي بين إيران والمجتمع الدولي منذ العام 1979 في نقطتين، النقطة الأولى: كل المحاولات الدولية لتعديل سلوك هذا النظام باءت باليأس في ظل استمرارية نظام «الملالي» أو المحافظين مع أن الإصلاحيين ليسوا بأحسن حال ولكن يبقون أفضل الشرين!!. النقطة الثانية: أن الضغوط الداخلية التي يواجهها النظام مع الشعب تبقى هي الأمل بالنسبة للداخل الإيراني والخارجي في إجبار هذا النظام في الانتباه إلى تغير أولويات الدول ولم يعد التركيز على التسلح هو الأهم، كما هو الحاصل مع نظام الكوري الشمالي.

بالنسبة لنا أنه بات هناك ضوء في شبه الجزيرة الكورية في إخلاء تلك المنطقة من الأسلحة النووية واستقرار الوضع هناك، مع أن البعض ما زال متشككاً من الحماس الذي يبديه الرئيس الكوري الشمالي.

إلا أننا في منطقة الشرق الأوسط ما زال المجتمع الدولي يبحث عن «النفق» الذي يمكن أن يدلنا إلى طريقة لإقناع النظام الإيراني بأن الاهتمام بمطالب شعبه أهم من كل مغامراتها السياسية الفاشلة.

Email