نحن جيلٌ نشأنا على البساطة وتواردت على أذهاننا قصص وحكايات رواها لنا أجدادنا وآباؤنا عن البساطة التي عاشها أسلافنا، ومازلنا نعرف البساطة حق المعرفة ونظن بأننا بسطاء ولكن لسنا كذلك!

ليست البساطة التخلي عن الرفاهية ولا التخاذل عن المركز الأول ولا العيش تحت خط الفقر.. إنها حب الآخرين والمودة والتراحم والتواصل والاهتمام، ولنا في حكامنا أسوة حسنة.

البساطة هي أن تكون في عملك موظفاً وإن كنت المدير، وأن يكون رب الأسرة ومعيلها فرداً من الأسرة لا إمبراطورها، وأن تكون المعلمة في المدرسة طالبة علم قبل أن تكون مصدر التعليم.

في البساطة لا يتجبر المدير ويرفض رأي الموظف لاتخاذ القرار، ولا تصغّر المعلمة معلومة قد تأتيها من طالبة، ولا تبنى الحواجز بين أفراد الأسرة وبالتالي بين المجتمع، في البساطة تتساوى الفرص ويسعد الجميع.

من سلبنا البساطة؟
هل هو رغد الحياة ورفاهية العيش التي منّ الله بها علينا؟ إذ صرنا بعدها لا نرضى بمستوى أقل من الذي نعيشه ولو كان على حساب أنفسنا!

كم من فتاة رفضت الستر والزواج من شاب أقل منها بقليل في المستوى المعيشي، وكم من جار امتنع عن جاره بسبب اختلاف المستوى المعيشي بينهما، أم هي المكانة الاجتماعية التي توغلت في البعض بشعابها والتي أتوقع أنه يتم التعامل معها ولا ندركها!

يتشبث البعض في البروتوكول والإتيكيت ويتجاهل العادات والأعراف، فيحضر المناسبات التي هي من مستواه ويغض الطرف عن الأخرى البسيطة، ويتواجد في الأماكن (الراقية) ويغيب عن الأماكن (الشعبية)، فيتم التواصل بذكاء لا بحميمية.. البساطة أبسط من ذلك.. البساطة أن تكون فرداً من أفراد المجتمع مهما بلغت درجتك في الحياة.

كن بسيطاً تكن رفيعاً
يتغطرس البعض على فطرته وبساطته، فلا يأكل لأنه يريد أن يأكل، بل يأكل ليري الناس ماذا يأكل، ويرفض الطعام من شكله لا طعمه.

إن الكثير من الممارسات اليومية التي يقوم بها البعض تدل على التخلي عن البساطة لصالح «البريستيج» والمظهر العام، فمن يأبى أن تكون سيارته أقل من سيارات أصدقائه ولو كلفه ذلك الغرق في الديون، فكم من موظف يقود السيارة الفارهة التي يكاد لا يقتنيها مديره في العمل، أو يكون منزلنا ليس بفخامة منازل المنطقة التي يقطنها سواءً كانت لديه المقدرة المالية أو لم تكن أو يسافر في العطلات للوجهات السياحية المكلفة دون غيرها من الوجهات الأقل كلفة لمجرد أنها الوجهة الأغلى.

نحن لسنا مطالبين بالتخلي عن كل ذلك لنكون بسطاء ولكنا مطالبون أن نمد أرجلنا على قدر لحافنا وألا نسعى لامتلاك ما بأيدي غيرنا لنكون مثلهم أو نكون في مستواهم.

لنعيش البساطة في المظهر العام بأن تكون مظاهرنا جميلة وأنيقة لا متكلفة ونعيش البساطة في الحياة الاجتماعية بالتواصل والتفاعل مع جميع أطياف المجتمع وبتنوع مستوياته، وأن نستمتع بإجازاتنا ونقصد الأماكن السياحية التي لا ترهق عاتقنا، وأن نحرص على تعليم أبنائنا ومتابعة تحصيلهم العلمي في المدارس العامة أو الخاصة بحسب قدراتنا المالية، وأن نأكل الطعام الذي يغذينا لا الذي يشهرنا وإلى ذلك في جميع تصرفاتنا اليومية.

تخلينا عن البساطة كلفنا الكثير من الهدر، وخلق لنا منغصات مجتمعية منها مشكلات غلاء المهور وحفلات الأعراس، فذوو العروس لا يقبلون بمهر وحفلة زفاف لابنتهم أقل من مستوى حفل زفاف ابنة خالتها التي كان نصيبها أن تتزوج من شخص مقتدر مادياً وذا دخل وفير، وتراكم الديون التي طالت أفراد المجتمع لمواكبة المستويات المعيشية الفارهة التي ينعم بها فئة مستطيعة أو لمجرد أن فلاناً عنده أو فعل كذا.
ببساطة: البساطة هي أن نعيش حياتنا بطبيعتها لا بمظاهرها.