ماذا عن الحرب العالمية الثالثة؟

ت + ت - الحجم الطبيعي

يتوهّم البعض بأننا على أبواب حرب عالمية ثالثة بسبب الصراعات على السطح بين الولايات المتحدة من جانب، وكل من روسيا وكوريا الشمالية من جانب آخر.

وصل الأمر لدرجة أن ابنة صديقي الصغيرة سألت والدها مؤخراً: هل ستقوم الحرب العالمية الثالثة؟ بعد أن دارت أحاديث في مدرستها حول هذا الموضوع.

يعتقد هؤلاء أن هناك مؤشرات حقيقية على تلك الحرب. على الجبهة الروسية الأميركية هناك تصاعد للتراشق الإعلامي والدبلوماسي بين الجانبين، وعقوبات اقتصادية من جانب الولايات المتحدة مع حلفائها الأوروبيين مفروضة على روسيا.

طردت الولايات المتحدة دبلوماسيين روساً على إثر اتهامها من قبل بريطانيا بأنها وراء تسميم العميل الروسي السابق سيرغي سكريبال وابنته يوليا، وردّت روسيا بالمثل.

من جانب آخر قامت كل من الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا بتوجيه ضربات لمواقع سورية بسبب اتهامات للنظام السوري بشن هجوم بالأسلحة الكيماوية على مدينة دوما بالغوطة الشرقية. يُذكر أن روسيا هي الحليف الأقوى لسوريا، وقد حذرت روسيا من عواقب تلك الضربات الجوية وهددت بالرد، هناك أيضاً اتهامات بالتدخل الروسي في الانتخابات الرئاسية الأميركية.

وهناك تحقيق كبير داخل الولايات المتحدة بهذا الخصوص، وقد وقّع الرئيس الأميركي دونالد ترامب قانوناً يفرض عقوبات على روسيا وكوريا الشمالية وإيران، وفُرضت عقوبات على أشخاص مقربين من القيادة الروسية وشركات سلاح روسية.

في المقابل أعدّ مجلس الدوما الروسي مشروع قانون للرد على العقوبات الأميركية، ويقترح مشروع القانون حظر استيراد مجموعة من السلع والخدمات الأميركية، وحظر تصدير قطع غيار بوينغ مصنوعة من معدن التيتانيوم لشركة بوينغ ومحركات الصواريخ الفضائية.

قد يبدو المشهد بناءً على المعطيات السابقة مقدمة طبيعية لحرب عالمية ثالثة، لكن التمعّن فيما ذُكر سابقاً، وعوامل أخرى لم يأخذها هؤلاء في الحسبان يجعل تصوّر قيام حرب أمراً من المحال في الأمد المنظور.

بدايةً لا يمكن نسيان عامل الردع النووي الذي سيقف عائقاً أمام وقوع تلك المأساة. إن المخاوف من احتمال استخدام السلاح النووي هي التي أوقفت الولايات المتحدة حتى الآن عن ضرب كوريا الشمالية، وعدم تصعيد الصراع مع روسيا لدرجة اللجوء لهذا السلاح المدمر. إن توازن الردع النووي منذ نهاية الحرب العالمية الثانية هو الذي يمنع وقوع حرب عالمية ثالثة.

ومن هنا من المقرر أن يلتقي الزعيمان الأميركي والكوري الشمالي نهاية الشهر القادم لحل المشاكل العالقة بينهما، لاسيما برنامج الأسلحة النووية الكوري بالطرق الدبلوماسية. وقد أعلنت كوريا الشمالية مؤخراً وقف التجارب الصاروخية، وإن كان هذا لا يعني نهاية برنامجها النووي.

يُضاف إلى ذلك أن الرئيس الأميركي أوقف في الوقت الراهن فرض عقوبات جديدة على روسيا، ما يقلل من وطأة العقوبات السابقة. يُذكر أيضاً أن حجم التبادل التجاري بين روسيا والولايات المتحدة وفق تقرير مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية لعام 2017 هو 20 مليار دولار.

وهذا يخفف من تبعات العقوبات إلى حد ما. ولم تقم روسيا حتى الآن برد عملي بعقوبات مماثلة على الجانب الاقتصادي والمالي. علاوةً على ذلك فإن العلاقات بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والرئيس الأميركي دونالد ترامب هي علاقات ودية. فقد وصف بوتين ترامب بأنه موهوب وذكي وقائد.

وكذلك وصف ترامب بوتين بالقائد وهنأه بالفوز في الانتخابات الرئاسية الروسية التي جرت مؤخراً. من هنا يمكن القول إن ما يبدو على السطح من توتر، هو محاولة لإظهار القوة من قبل الطرفين، والحفاظ على السمعة الدولية كقوة عظمى في حالة الولايات المتحدة، وكقوة تحاول استعادة مكانتها التي كانت أيام الحرب الباردة بالنسبة لروسيا.

أخيراً أودّ أن أوكد أن الحديث عن حربٍ عالمية ثالثة هو غير ناضج ويتجاهل عوامل كثيرة جدَّت على السطح وبعضها متأصل في العلاقات الدولية، لاسيما عامل توازن الردع النووي. لا يمكن تجاهل الآثار السلبية لتصاعد التوتر على السلم والأمن الدوليين من خلال زيادة الإنفاق على السلاح بدلاً من توجيه تلك الأموال للتنمية، لكن لن يصل الأمر إلى حرب عالمية ثالثة.

 

Email