الثورة الزراعية في مصر

ت + ت - الحجم الطبيعي

من قبيل التكرار أنه في مصر جرت تاريخياً الثورة الزراعية التي غيرت تاريخ الإنسانية فكان لها من الأثر ما حققته فيما بعد الثورة الصناعية بحلقاتها المتوالية منذ الآلة البخارية حتى «الروبوت» و«الهيومانويد».

هذه الثورات المتوالية أطالت عمر الإنسان وجعلته يعيش معيشة صحية أكثر من أي وقت مضي، وفي مصر حدث الكثير من التقدم خلال العقود الماضية في انخفاض وفيات الأطفال وارتفاع العمر المتوقع عند الميلاد،. ولعل الهدف الرئيسي المطروح أمامنا دوماً هو كيف نزيل «الفقر المدقع» من البلاد، وفي ذات الوقت نقلل من عدد الفقراء.

حزمة السياسات التي نسير فيها تدفع في هذا الاتجاه، وهناك مشروعات بعينها تبحث عن تحقيق اختراق في مجالات الصحة والتغذية، وفي الإنتاج الزراعي ربما كان مشروع المليون ونصف مليون فدان الأكثر شهرة، ولكن هناك الكثير من الأفكار المطروحة التي تسعي إلى تحقيق قفزات نوعية في الزراعة من خلال الإصلاح الجذري في طرق الري، وفي اتباع أنواع جديدة من المنتجات ذات الفائدة للصحة العامة والتصدير.

«بيل جيتس» صاحب شركة مايكروسوفت الشهير، وواحد من أغنى أغنياء العالم، نشر مقالاً في دورية «الشؤون الخارجية» ليس في مجال الإلكترونيات الذي ظهرت فيه عبقريته وإنما في مجال التنمية الكونية من خلال إعادة صياغة الجينات وما سماه Gene Editing الذي يمثل حزمة كبيرة من التكنولوجيات الجديدة التي دخلت مجال الإنتاج الزراعي والحيواني.

وكما هو معروف فإن بيل جيتس وزوجته ميلندا شكلا معاً مؤسسة جيتس التي عملت في مجالات للتنمية في العالم الثالث كان من أول أهدافها القضاء على مرض الملاريا في العالم. إعادة صياغة «الجينات» في النبات والحيوان يمكنها إحداث ثورة عظمى في الإنتاج النباتي والحيواني لا تجعل الإنسانية فقط تتخلص من المجاعات، وإنما تكون أكثر صحة ومقدرة.

التقدم التكنولوجي الحالي في مجال الجينات يجعل العلماء أكثر قدرة من أي وقت مضى على تشخيص الأمراض ومعالجتها ومحاربة العلل التي لا تزال تعيق قدرة الملايين كل عام وبشكل خاص الفقراء منهم. ما لا يقل أهمية عن ذلك، والكلام لا يزال لجيتس، أن التكنولوجيات الحديثة تعطي الملايين من المزارعين القدرة على زراعة محاصيل وتربية الحيوانات الأكثر إنتاجية من اللحم واللبن والتكاثر.

المحاصيل تتغير إنتاجيتها بإعادة صياغة جيناتها بحيث تعظم من عمليات النمو، وتقلل الحاجة للأسمدة، وكيماويات مقاومة الحشرات، وتزيد من قيمتها الغذائية، وتجعل النباتات أكثر صلابة في مقاومة الجفاف.

وبالفعل فإن هناك محاصيل كثيرة تحسنت نتيجة الصياغة الجينية فأصبحت لا تتعرض للعطب بسرعة مثل البطاطس، بحيث يمكنها تحمل فترات أطول من أجل التصدير، وبالنسبة لفول الصويا فإنه يولد زيوتاً صحية. وبالنسبة لمصر فإن العلماء في جامعة أكسفورد البريطانية استخدموا التكنولوجيا الجينية في إنتاج أنواع جديدة من الأرز تسمى أرز C4 يعيد ترتيب الهياكل الضوئية في أوراق النبات بحيث يستخدم أسمدة بنسبة أقل، كما أنه يجعل النبات قادراً علي تحويل أشعة الشمس إلى غذاء، ورغم زيادة المحصول بشكل كبير فإنه يستهلك كميات أقل من المياه.

الكثير من هذه التطورات التكنولوجية تجد أصولها في محاولات مبكرة للإنسان من خلال عمليات التلقيح في النباتات والحيوانات، أما الجديد الذي تقدمه الهندسة الجينية هي أنها زادت من كفاءة المحاصيل الموجودة بالفعل، كما أنها أنتجت الكثير من المنتجات الدوائية «الطبيعية» مثل «الأنسولين» البشري، وكذلك الهرمونات والتطعيمات ضد الأمراض المختلفة.

مثل هذه الثورة الزراعية الجديدة التي أشار لها وبحوثها ونتائجها بيل جيتس، نحتاج تفعيلها في مصر بحيث تقودنا إلى ثورة زراعية شاملة تضاعف من نتائج التوسع الأفقي في الزراعة عن طريق عمليات الاستصلاح بحيث يمكن الحصول على إنتاجية أكبر مما نحصل عليه الآن. ولعل الرئيس السيسي كان يقصد ذلك عندما أشار إلى أن مصر سوف تسعي لعمل 100 ألف صوبة زراعية تكون إنتاجيتها تماثل زراعة مليون فدان.

ومن الجدير بالذكر أن هناك بالفعل محاولات مبكرة لمصر في إنتاج أنواع جديدة من المحاصيل بما فيها القمح والقطن والفراولة والعنب وغيرها.

ولكن الأمر يحتاج إلى ما هو أكثر، ليس فقط لأن الزيادة السكانية تضعنا في سباق صعب مع ما هو متاح من إنتاج الغذاء، وإنما أيضاً لأنه مع كل ارتفاع في مستويات المعيشة فإن استهلاك الغذاء تزايد، وفي كل الأحوال فإن الاستيراد يضع ضغوطاً كبيرة على الإمكانيات والقدرات المصرية حتى تتحول بسرعة إلى مزيد من الصادرات.

 

 

Email