الإسرائيليون والدولة اليهودية.. خذ وطالب

ت + ت - الحجم الطبيعي

يؤرخ البعض لمطلب إسرائيل بالاعتراف الفلسطيني بها كدولة يهودية، بخطاب رئيس الوزراء الإسرائيلي الراحل آرييل شارون في مؤتمر عقد بمدينة العقبة يوم 4 يونيو 2003. وعلى حد علمنا، فإن هذا المطلب لم يطرح قبل ذلك ضمن فعاليات عملية السلام مع أي طرف عربي.

في إعلان المبادئ الموقع بين الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي في سبتمبر 1993 ورد أن «منظمة التحرير الفلسطينية تعترف بحق إسرائيل في الوجود والعيش بسلام وأمن... الخ»، ولم ترد أية إشارة لإسرائيل «اليهودية». وقد ظل هذا الصمت سارياً خلال السنوات العشر اللاحقة.

من منظور أساليب التفاوض، يصح الزعم بأن مطالبة الفلسطينيين تحديداً بالإقرار بيهودية إسرائيل، يعد تطبيقاً لم يمكن وصفه بالاعتراف المتدرج أو المتدحرج.. ونقصد به الانتقال من تخطي عقبة نفي الفلسطينيين لأحقية إسرائيل في الوجود من الأصل، إلى محاولة الحصول على جائزة أكبر؛ هي الإقرار بأن هذه الدولة تخص اليهود حصرياً.

هذه الحالة تعني التشكيك في صحة الرواية الفلسطينية للصراع على أرض فلسطين، ووضع رقبة الأقلية الفلسطينية داخل إسرائيل تحت سيف الدونية المقننة كحد أدنى، واحتمال نبذها وإلقائها خارج نطاق هذه الدولة كحد أقصى.. هذا علاوة على شطب حق عودة اللاجئين الفلسطينيين من خارج إسرائيل إلى مواطنهم الأصلية.

إذا نالت إسرائيل اعتراف الفلسطينيين بيهوديتها، بعد اعترافهم بوجودها، فهذا يعني إن مفاوضيها نجحوا في تطبيق نظرية خذ وطالب. وأغلب الظن أن الإسرائيليين يتصورون أن الرفض الفلسطيني القائم في هذا الإطار مجرد حالة مؤقتة.. ذلك بالنظر إلى أنه سبق للمفاوض الفلسطيني أن أظهر التمنع والحرد إزاء مطالب أخرى، ثم آب إلى القبول والإذعان تحت شعار المرونة وتحصيل ما يمكن تحصيله. وفي الوقت ذاته، لا يبدو أن الإسرائيليين يشغلون أنفسهم بمواقف التمنع والغضب العربي الإقليمي نصرة للفلسطينيين. وليس بلا مغزى عندهم، مجاهرة بعض الأصوات العربية أخيراً بالاختلاف مع المنظور الفلسطيني للتسوية.

كأن الإسرائيليين يراهنون على حدوث تحولات تؤدي إلى التساوق مع مطلبهم في المجالين الفلسطيني والعربي.. وفى هذا الإطار هم مطمئنون أيضاً للانحياز الأميركي الفارق والصريح إلى جانبهم. لكنهم في نشوة هذه المراهنة، تغطي أبصارهم وبصائرهم غشاوة كبيرة عما يعتمل في الرحاب الفلسطينية من إشارات ونذر لتصعيد المقاومة، ولا سيما على صعيد الإبداعات الشعبية، التي قد لا يكون منتهاها «مسيرات العودة». كذلك يغيب عن الإسرائيليين أن المرونة الفلسطينية لها سقوف وقيعان عليها إجماع وطني عام، وهذه الحقيقة تتضمن، وتضمن في الوقت ذاته، استحالة التسليم بمفهوم الدولة اليهودية بكل حمولته البغيضة وانعكاساته على تاريخهم وروايتهم الوطنية عموماً.

لا ندرى ما إن كان الإسرائيليون يعون أنهم بهذا المفهوم، إنما يسعون إلى أن يقوض الفلسطينيون بأيديهم وإرادتهم ما توارثوه حول سيرورة الصراع على أرضهم، وذلك ليس بأثر رجعى فقط ولكن بأثر مستقبلي أيضاً.. فإقرار من هذا القبيل كفيل بفتح الأفق أمام الصهاينة للدفع بحقوق لليهود في أرض الدولة الفلسطينية، حتى إن كانت على حدود 1967. وستكون الذريعة في سياق كهذا، أن إسرائيل اليهودية؛ التي أقر بها الفلسطينيون، أوسع نطاقاً من حدود الأعوام 1947 أو1948 أو1967!

نسوق هذا التوقع جدلاً وفي الخاطر أن الذين سيناط بهم تعيين جغرافية «الدولة اليهودية»، هم على الأرجح جماعة الحاخامات والكهنة وحراس التفسيرات التوراتية للتاريخ ومن على شاكلتهم وقماشتهم. اللافت أن الرفض الفلسطيني للإقرار بالطابع العرقي أو الديني لإسرائيل، يتوازى مع امتعاض قطاعات إسرائيلية من هكذا توجه في فلسفة الدولة وهويتها.

يعود هذا الموقف المتحفظ للإدراك ببعض التداعيات المنذرة بالسوء.. ومنها بلا حصر أن «الدولة اليهودية القحة تحتاج إلى أغلبية سكانية يهودية، الأمر الذي يتعاكس مع التطور السكاني لإسرائيل الحالية؛ التي أوشكت على فقدان هذا الشرط بين النهر والبحر.

وعليه، لن يكون أمامها سوى قهر الوجود الفلسطيني المغاير، وممارسة قيم وسلوكيات مجافية وجوباً لمنظومة الديمقراطية وحقوق الإنسان الدولية، هبوطاً إلى درك التعامل بالكيفية ذاتها التي يدعي اليهود إنهم خضعوا أو يخضعون لها بين يدي عوالم الآخرين..».

هذا غيض من فيض ما يطرحه بعض الإسرائيليين في معرض مجافاتهم لفكرة يهودية دولتهم.. وذلك ليس غيرة منهم على حقوق الفلسطينيين، ولكن «صيانة لصورة إسرائيل الدولة الديمقراطية وحيدة عصرها في الشرق الأوسط»!

 

Email