«ليس هناك من فوضى، بل مجرّد طاقة عظيمة!» بهذه الكلمات لخصت تغريدة الرئيس الأميركي دونالد ترامب المشهد في البيت الأبيض، في وقت تتسارع فيه الأحداث.

ويسارع فيه بعضهم لاستخلاص النتائج، في وضع تتجه فيه الأمور إلى خواتيمها على ما يبدو.

ولم تكد تمضي بضع ساعات على التغريد حتى أُعلنت استقالة غاري كون من منصب المستشار الاقتصادي لترامب، وثالث مسؤول رفيع المستوى يغادر البيت الأبيض في غضون ثلاثة أسابيع. ويعتبر غيابه الأبرز والأكثر أهمية في سلسلة المستقيلين، ويسطّر خروجه عقب إخفاقه في إقناع ترامب باتباع مقاربة أكثر ليناً في التجارة، ترسيخ هزيمة ما يسمى بأنصار العولمة.

ويعتبر الاستقرار العالمي الخاسر الأكبر برحيل كون، لا سيما أنه سبق إعلان كون استقالته بقليل تحذير روبيرتو أزيفيدو، مدير منظمة التجارة العالمية، بشأن تحركات ترامب التجارية المزعومة، وقوله بشأن تهديدات الرد الأوربي المتصاعدة: «ما إن نسير على هذا الطريق، سيكون الارتداد عنها بغاية الصعوبة. إن اتباع سياسة العين بالعين ستعمي أبصارنا وتغرق العالم في حالة ركود».

لا يبالي ترامب بطبيعة الحال بتلك التحذيرات، وقد بشّر الصحفيين بأن التعريفات ستطبق «بطريقة حنونة» وأن العالم «سيحبنا أكثر ويحترمنا بقدر أكبر». لكن الحقيقة معكوسة تماماً، وكون لم يتمكن من إقناع ترامب بها. ويشار إلى أن نافارو سيحل مكانه.

لقد عارض كون فرض التعريفات الشاملة، وأيّد اتباع موقف أكثر ليناً في إعادة المفاوضات بشأن اتفاقية التجارة الحرة لأميركا الشمالية (نافتا)، والابتعاد عن أي مسّ بالاتفاقية التجارية بين أميركا وكوريا الجنوبية، لكنّ الاتفاقيتين الآن بمهب الخطر.

سيشعر ترامب اليوم بحرية أكبر في السعي وراء تحقيق أجندته الأصلية بعنوان «أميركا أولاً». وستقوده نزعته للعمل على جبهتين، الأولى تتمحور حول المحقق الخاص روبرت مولر الذي يحكم قبضة التحقيقات، بحيث بالكاد يمضي يوم واحد يخلو من مذكرات إحضار بحق مسؤولين حاليين أو سابقين في إدارة ترامب. أما جارد كوشنر، صهر ترامب فمحط تركيز مولر.

، وإن الفوضى الأخيرة التي عصفت بالبيت الأبيض أخيراً عقب إدانة مولر لـ 13 روسياً بتهمة التدخل المزعوم في انتخابات 2016. وكلما شعر ترامب بأنه محاصر، نزع أكثر إلى رفع عيار الضربات.

كذلك سجلت أوساط المعارضة في الحزب الجمهوري تحفظاتها على خطوات ترامب الحمائية، لكن تأثيرها محدود. ويذكر أن ترامب كان يجادل وحيداً في حملة 2016 الرئاسية بشأن الحرب التجارية، والقاعدة الشعبية كانت أيدته فقط في موضوع التجارة.

ثانياً، يبدو أن الأحداث العالمية تتجه حسب أهواء ترامب. وسيعتبر الفوز الذي حققته الأحزاب الشعبوية في انتخابات إيطاليا الأخيرة مسوغاً يقول بأن ترامب ليس وحيداً. ولا بد أن ترامب لاحظ وجود ستيف بانون كبير المحللين الاستراتيجيين السابقين في إدارة ترامب حين صدرت النتائج التي كان قد تنبأ بها.

أخيراً، من غير المرجح أن يكون كون آخر «الكبار» المغادرين دائرة ترامب. وتتضمن لائحة المقبلين قريباً على المغادرة أو الطرد، إتش آر ماكماستر، مستشار الأمن القومي.

ووسط كل تلك المعمعة، شهد المكتب البيضاوي في البيت الأبيض لقاءً بين ترامب وجون بولتون، المسؤول الشرس في إدارة الرئيس الأميركي الأسبق جورج بوش، والمؤيد الداعم لأجندة ترامب. وقد يشكل تعيين بولتون في منصب مستشار الأمن القومي صفعة توازي قوتها صفعة رحيل كون. من المرجح أن يكون عقد الإدارة الأميركية قد فرط، بقدر ما قد يتلخص الأمر برمته بإعادة تشغيل المحركات لا أكثر.