شيء من عبق الأمهات

ت + ت - الحجم الطبيعي

مضى قبل أيام عيد الأم، ذلك العيد الذي تستحقه الأمهات والذي احتفينا به إلى الحد الذي غار منه الآباء، ولمَ لا يكون للأب عيد باسمه فبعض الآباء يستحقون الاحتفاء غير أن تضحيات الأمهات تبقى سمةً لكل العصور.

وباعتراف كل الشرائع والأدبيات الإنسانية فإن للأم في حياة الإنسان دوراً مهماً في صناعته الإنسانية، فالوليد بيد الأم عبارة عن عجينة تضع فيه شيئاً من روحها وشيئاً من أدبها وخلقها، وشيئاً من أملها وطموحها، وكلما كبر تراقب نموه وتعدل من مساره يعاونها في ذلك الأب الصالح والأهل والمجتمع والوطن.

وقد لا تجد من يساعدها أو تواجهها ظروف قاسية اجتماعية أو مالية أو صحية، عند ذلك يبدأ التحدي وتبدأ الأم بصنع تاريخها الأمومي الإنساني ومستقبل أبنائها.

ولهؤلاء الأمهات اللواتي كدحن وشقين وحفرن في صخرة المستحيل حتى أوصلن أولادهن إلى المراتب العليا في العلوم أو الآداب أو الفنون والحرف، فأصبحوا ممن يشار لهم بالبنان كمبتكرين أو مبدعين أو قادة. وللأمهات اللواتي منين بأبناء من أصحاب الهمم وجاهدن ليندمجوا في الحياة ويواصلوا تعليمهم وينطلقوا من دون إحساس بالخوف من غمار الحياة.

وللأمهات اللواتي فقدن أزواجهن لأيما سبب (الهجر ـ الموت ـ الطلاق) وبقين يكدحن لمواصلة المشوار بدورين دور الأم ودور الأب، ولم يحنين رؤوسهن لعوادي الزمن ولم يمددن أيديهن لأحد.

لأمهات الأبطال الشجعان الذين يفتدون الوطن بأرواحهم..

لأمهات ربين أيتاماً ولم يبخلن عليهم بالرعاية والحنان..

هؤلاء الأمهات الصابرات المضحيات الساعيات الطموحات، لا يكفي عيد واحد ولا قبلة عيد واحدة من البارين بهن.

أكتب هذه السطور وأمامي عشرات الترشيحات للأمهات المثاليات اللواتي درج رواقنا على تكريمهن لتميزهن في حفلنا السنوي ضمن باقة من المكرمين ومنهم الآباء المثاليون وأصحاب الهمم المتميزون والشباب المبتكرون.

ولست بصدد الحديث عن مبادرة الرواق هذه بقدر ما أردت أن أشيد ببعض الشباب البارين الذين تقدموا بترشيح أمهاتهم لهذه الجائزة.

وجدت بعض الرسائل عبارة عن قطع أدبية كتبت بماء القلب عرفاناً لصاحبة الفضل فإحدى الرسائل لشابة كتبت في مطلعها: «في زمن ما حيث الأزقة المتلاصقة والجيران الأوفياء كانت تعيش أمي (...)، تلك التي أقنعتنا نحن أبناءها السبعة أن جميع الثياب ترقع.

وأن جميع البشر يفعلون ذلك، فما خجلنا أبداً من رقعةٍ في الثوب» وقالت ما يشبه الشعر: «أمي علمتني أن أعامل الناس بأخلاقي لا بأخلاقهم، وأن أتسامح مع نفسي كي أتسامح مع البشر، أمي هي التي فرطت بجمالها كثيراً كي أكون أنا الأجمل، وفرطت بحياتها كثيراً كي تصنع حياتي».

وشابة أخرى كتبت شهادة رائعة عن أمها مما قالته فيها: «قررت أمي أن تقف بجانب أبي لتخفف عنه عبء الأسرة الكبيرة في ظل الظروف الصعبة (آنذاك) فاتجهت للعمل في مدرسة بوظيفة ـ مستخدم ـ لعدم تلقيها التعليم الكافي، كانت تحمل المكنسة بيد وسلة المهملات باليد الأخرى لتخدم أجيال المستقبل في دولتنا الحبيبة».

ثم تشير إلى أن أمها وبسبب قوة إرادتها ورغبتها الشديدة في التعلم، أخذت تقرأ وتكتب بمساعدة الآخرين وانتمت لعدد من الجمعيات ودخلت العديد من الدورات التطويرية، في ذات الوقت كان هاجسها أن تربي أولادها على مبادئ العلم والمعرفة والأخلاق السامية وحب الوطن، حتى جعلتهم يحوزون أعلى الدرجات العلمية وصاروا قناديل تضيء سماء الوطن.

لله دركن أيتها الأمهات، لو جعلنا لكن كل يومٍ عيداً لا يكفي وفاءً لفضلكن علينا، فأنت الجنتان، جنة الأمومة وحنانها في الدنيا وجنة الله في الآخرة.

وما أروع الجنتين.

*رئيسة رواق عوشة بنت حسين الثقافي

 

 

Email