في تحليل الجانب العسكري من خطاب بوتين

ت + ت - الحجم الطبيعي

كان الرئيس الأميركي دونالد ترامب معجباً جداً باستعراض عيد الباستيل في فرنسا بحيث دعا أخيراً إلى إقامة مهرجان عسكري مماثل في واشنطن.

وهو ربما يفكر فيما إذا كان خطاب الولايات المتحدة الموقر عن حالة الاتحاد يحتاج إلى مراجعة راديكالية أيضاً الآن، بعد أن أخذت جولة فلاديمير بوتين الانتخابية الخطاب السنوي للرئيس الروسي عن حالة الاتحاد إلى مستوى جديد كلياً.

وكان خطاب بوتين من قسمين متمايزين. الأول كان انتخابيا، عبارة عن مخطط تفصيلي عن تحديث روسيا مع تركيز على السياسة الاجتماعية والتركيبة السكانية. لكن الجزء الثاني هو ما سوف يتذكره الجمهور أكثر.

وقد كرر بوتين لمرات لا تحصى إدانة روسيا لقرار الرئيس الأميركي الأسبق جورج بوش إلغاء معاهدة القذائف المضادة للقذائف التسيارية لعام 1972، لكن هذا كان مجرد المقدمة، إذ قدم بوتين عرضاً افتراضياً من السحر العسكري الأخير لروسيا، في السماء وعلى اليابسة وفي أعماق البحار.

وبدا أنه مستمتع كثيراً. وقال بوتين إن روسيا لديها الآن صاروخ كروز جديد يعمل بالطاقة النووية فريد في قدرته على التغلب على أي نظام دفاعي صاروخي. وأوضحت المخططات على الشاشة العريضة محاكاة للصاروخ وهو ينطلق في السماء بسرعة تفوق سرعة الصوت وينعطف في زوايا مخترقاً الدروع الدفاعية المتقادمة لـ «حرب النجوم».

وذهب بوتين إلى عرض طائرات موجهة عن بعد تؤدي حركات بهلوانية، وغواصات غير مأهولة تخترق أعماق المحيط. وكانت هناك مشاهد من العالم الحقيقي أيضا عن أسلحة تخرج من صوامع واختبارات صاروخية.

وبلغ العرض المبهر ذروته مع دعوة بوتين للوحدة الوطنية ومع الغناء المفعم للنشيد الوطني، بنغمة الحقبة السوفييتية وكلمات ما بعد تلك الحقبة.

النصف العسكري من خطاب بوتين بمظاهره المزخرفة بالتكنولوجيا لم يكن موجها فقط، او أساساً، للجمهور الروسي. فهذه الرسالة عن القوة العسكرية الجديدة المدوية عالمياً كانت موجهة بالتأكيد إلى متلقٍّ آخر، هي الولايات المتحدة.

وذهب بوتين بعيداً جداً في توضيح الأمر، على الرغم من عدم الحاجة لذلك. فعندما ألغت الولايات المتحدة معاهدة القذائف المضادة للقذائف التسيارية، وهي معاهدة ينبغي القول إن كلا من الاتحاد السوفييتي وروسيا اعتبراها ضمانة خاصة أمنية، قال بوتين: «لم يستمع إلينا أحد» على الرغم من أن روسيا كانت القوة النووية الثانية في العالم.

وذهب ليضيف: «سوف يستمعون إلينا الآن». وكان من الممكن أن يأتي الأساس المنطقي، إن لم يكن التكنولوجي، للخطاب من كتاب الألعاب الأخير لكوريا الشمالية: نداء يتعين الانتباه له وأن يؤخذ على محمل الجد، وإذا كان السبيل الوحيد للمعاملة بالاحترام، إثبات قدرات عسكرية متطورة جديدة، من خلال التهديد بدلاً من المغازلة، فليكن.

وعلى عكس كيم جونغ أون، في وضعية ما قبل الأولمبياد، كان بوتين حذرا في التشديد على نواياه الدفاعية والسلمية. فروسيا لن تستخدم الأسلحة النووية إلا فقط رداً على هجوم نووي. لكن المطالبة بضرورة أن يؤخذ الأمر على محمل الجد من قبل القوة العظمى الأميركية.

والشعور بالظلم لاستغلال الغرب ضعف روسيا بعد انهيار الاتحاد السوفييتي حسب رأيه، كانا حاضرين. ويمكن أن تحدد تلك المطالبة بضرورة المعاملة على قدم المساواة على أساس القوة العسكرية الجديدة نغمة ولاية فلاديمير بوتين الرابعة، وربما الأخيرة.

وفيما بوتين ينهي خطابه، كان هناك من لاحظ نوعاً من الخداع في تفاخره بقدرات روسيا العسكرية الجديدة والفريدة. وسيكون هناك من يفسر خطابه بانه إطلاق لمرحلة جديدة خطيرة من التنافس الأميركي الروسي، بيد أن هذا لم يكن الانطباع المنقول. كان أكثر مناشدة للولايات المتحدة للبدء بالتحدث مرة أخرى على أساس الاحترام المتبادل.

ويبدو أيضا أن العلاقات بين روسيا والولايات المتحدة ليست سيئة كما يجري تمثيلها في كثير من الأحيان. فهناك الكثير من الصخب على الجانبين، لكن الرئيسين وكبار مسؤولي السياسة الخارجية بقيا في الغالب فوق النزاع. وفيما الهيجان في واشنطن بشأن التلاعب الروسي المزعوم في الانتخابات الأميركية يسير بلا هوادة، إلا أن الرئيسين تجنبا الموضوع مرة أخرى.

ولا يزال هناك خطر محتمل من اصطدام مباشر أميركي روسي في سوريا، الآن بما أن الرئيس السوري بشار الأسد يستعيد الأراضي بمساعدة روسيا، فيما قالت الولايات المتحدة إن قواتها ستبقى.

لكن اصطداما من نوع ما ربما حدث بالفعل، مع احتمال عشرات الروس قتلوا الشهر الماضي في ضربة جوية أميركية في شمال سوريا، وكان رد الجانب الروسي أن عمد إلى التقليل من شأن الأمر. وليس واضحاً بعد ماذا حدث تحديداً، لكن طريقة التعامل مع الموضوع يشير إلى غياب الشهية في موسكو وواشنطن للحرب. بأمل أن يستمر هذا التفكير إلى ما بعد الانتخابات الروسية في 18 مارس.

* كاتبة وصحافية في «إندبندنت»

Email