نحن لا نصنع شراً

ت + ت - الحجم الطبيعي

من إحدى شعارات شركة غوغل «نحن لا نصنع شراً»، ورغم ثقة الناس بهذه الشركة، والجميع يستخدم أنظمتها وبرمجياتها، إلا أننا دائماً ما نقول إن هذه الشركة على صلة بالاستخبارات الأميركية.

وأنها تراقبنا، وترصد أفعالنا وأقوالنا في سجلات «لا يعلم بها إلا الله»، والحقيقة أن هذه الجملة، تنطبق فعلاً على تصرفاتنا ومحادثاتنا ومشاهداتنا على وسائل التواصل والأجهزة الذكية.

غوغل كغيرها من المواقع العالمية، لها جانب مظلم، بخلاف الجانب المشرق الذي تراه في ألوان شعارها، ولكن بنظر غوغل، هذه الأفعال «التجسس»، أفعال غير شريرة، فهي تخدم المستهلك الذي يبحث عن الخدمات والسلع، وتخدم الشركات المصنعة أو المقدمة لهذه الخدمات، إذن غوغل عبارة عن وسيط خير بين الاثنين.

قام أحد الممثلين المشهورين في أميركا، بنشر تصريحات ضد فيس بوك، وذلك لأنه تحدث مع صديق له في أمور شخصية، وبدأت الإعلانات في الفيس بوك متقاربة لما حدّث به صديقه، وهذه الحادثة ليست الوحيدة، إنما هناك الكثيرون ممن تحدثوا مع أصدقاء لهم، قالوا لهم بأنهم ينوون السفر، لتنهال عليهم الإعلانات عن عروض للسفر.

وقد اعترفت شركة الفيس بوك قبل شهور، بأنها فعلاً تقوم بالتجسس على المحادثات الخاصة، سواء المكتوبة أو الصوتية، أو حتى الفيديو، وليس فقط المنشورات العامة، وأنها ترصد كلمات دلالية تفيدها في الحملات الإعلانية المدفوعة.

يحدث التجسس في الكثير من مواقع التواصل الاجتماعي، فهذه المواقع تبيع معلوماتنا ونماذج تفكيرنا للشركات التجارية، بهدف الوصول لأكبر شريحة مهتمة بالسلعة المعلن عنها، وهذه الشركات المالكة لمواقع التواصل، فخورة بالتطورات التي وصلت إليها برمجياتها وبرامجها القادرة على تحليل احتياجاتك، لتضعها أمامك هنا وهناك.

البعض يقول إن مواقع التواصل، تسرب بيانات مستخدميها إلى أجهزة الأمن، في حين أن موقع تويتر، مثلاً، حظرت أجهزة الاستخبارات الأميركية من استخدام برنامج «داتاماينر» لتحليل التغريدات، ودارت في أروقة المحاكم حول العالم، قضايا عدة، أقامتها شركات التكنولوجيا على أجهزة أمنية عالمية لدخولها غير المشروع على خوادمها، بهدف مراقبة المستخدمين ومعرفة تفاصيل تحركاتهم.

في نظر وسائل التواصل الاجتماعي، ما تقوم به هو حماية لخصوصية الأفراد، في حين أنها تبين هذه الخصوصية لمن يدفع ثمناً لإعلاناتها، وهي بهذا «لا تصنع شراً» أبداً، فهي عرفت أنك تحب الشوكولاتة أو السفر، وتجلب لك أفضل المذاقات، وأفضل الوجهات، لتنعم أنت بسهولة في الاختيار من بين كم هائل من بين الخيارات.

التكنولوجيا دخلت جميع مناحي حياتنا، وفي المستقبل القريب، ستحل أكثر وأكثر، فيصبح هاتفك المحمول يقدم لك نصائح حول التسويق في المتاجر، ويقارن لك بين الماركات التجارية، ليسهل عليك عملية الاختيار، ويبقى السؤال الراهن، هل فعلاً ستقدم لنا التكنولوجيا تفاصيل دقيقة عن كل منتج، أم ستفضل لنا من يدفع لها أكثر؟، الجواب المنطقي سيكون «من يدفع أكثر»، وهذا حال الكثير من الخدمات التي تقدم مجاناً، وسرعان ما ستتحول إلى منصات تبيع معلومات مستخدميها للمعلنين.

تبقى جدلية القول بأن جميع هذه المواقع هي خوادم استخباراتية تجمع بيانات من حول العالم، فرضيات قابلة للتصديق أو النفي، خصوصاً أن تقاطع المصالح بين شركات التكنولوجيا والأجهزة الاستخباراتية، يزيد يوماً بعد يوم، فقد باتت بيانات جميع سكان العالم في خوادم غوغل وفيس بوك وتويتر، ومن مصلحة الأجهزة الاستخباراتية، أن تضع يدها على هذه القواعد.

نحن لا نصنع شراً فقط، إنما نستغل وجودك لدينا، بأن نبيع احتياجاتك ومتطلباتك لمن يدفع لنا أكثر، نحن لا نفضح أحداً، ولا نستغل المسائل الشخصية لأحد في أي من حملاتنا، نحن لا نؤذيك، نحن فقط نضعك في دائرتنا، كيلا تخرج منها، فأنت الجزء الأهم لوسائلنا وبرمجياتنا.

وبدونك لن يكون لنا وجود، ولذلك ابق مستريحاً أمام جهازك، فنحن نوفر لك كل متطلباتك، فقط دعنا نعبث بذكرياتك، بمشاعرك، بمحادثاتك، بأسرارك، بقراراتك، بعلاقاتك، لنضع لك المنتج المناسب أمام عينيك، وكن مطمئناً، فنحن «لا نصنع شراً»، فهدفنا نبيل، واقع افتراضي يجعل عقلك للقراءة فقط Read only، ولمن لا يعرف هذا المصطلح في عالم التكنولوجيا، فهو يعني أن عقلك «للقراءة فقط»، لا يسمح بالتسجيل أو التخزين عليه، ولماذا يسجل ووسائل التواصل والتكنولوجيا الحديثة تقوم بكل ذلك بدلاً عنك.

للأسف، كل ما تتميز به أنت كإنسان، تقوم وسائل التواصل بجمعه عنك، ما تحب وما تكره، ما يغضبك، وكيف تتصرف حال الغضب، وحال الفرح، وحال الحزن وحال وحال، لتضعه في جدول بيانات معقد، ستستخدمه عاجلاً أم أجلاً، ليكون بديلاً عنك، وقد بتنا نلتمس بعضاً من هذه الأمور، فمواقع التواصل، باستطاعتها التعرف إلى أصدقائك الذين نسيتهم، تتعرف إليهم من خلال صورهم في أرشيفك، هذه التكنولوجيا الثورية، أصبحت قادرة على معرفة كل شيء عنك أكثر منك.

التكنولوجيا التي وصلنا إليها ثورية، نرفع لها القبعة، ولكن لا بد لنا من أن نحترس من خطورة المعلومات التي ننشرها عليها، لا بد من أن نتعرف إلى مخاطر هذه البيانات التي نتداولها، فهذه المواقع «لا تصنع شراً»، أبداً أبداً، هي فقط وسيط لبياناتك، تتاجر فيها كما تشاء، وبموافقتك، وبمباركتك أنت.

 

Email