تيتانيك.. كارثة العمل الانفرادي

ت + ت - الحجم الطبيعي

يبدو أن العمل الفردي كان وراء حادثة غرق أشهر باخرة في التاريخ، سفينة تيتانيك. تولد لدي هذا الانطباع، من تقرير كنت أقرأه وأنا أتجول مصادفة في مدينة ساوثهامبتون، جنوبي بريطانيا، مقابل الميناء نفسه الذي انطلقت منه تايتانيك إلى نيويورك عام 1912، حيث لقي نحو 1522 راكباً حتفهم، في أكبر مأساة من نوعها آنذاك، وخلدها الفيلم الشهير.

إذ تبين أن كارثة الجبل الجليدي الذي اصطدمت به تيتانيك في عرض البحر، فانشطرت إلى نصفين، في ظلام الليل الدامس، لتسقر بعدها في قاع المحيط الأطلسي الشمالي، كان وراءه البحار، ديفيد بلير، 37 عاماً، الذي أوكلت إليه مهمة حفظ مفاتيح "عش الغراب"، المودعة فيه مناظير تستخدم في وحدة المراقبة على عمود الصاري.

غير أن هذا البحار، حينما أقيل في اللحظات الأخيرة من تلك الحادثة، من قبل ملاك السفينة قد "نسي"، والله أعلم، أن يسلم المفتاح، فلم يتمكن زملاؤه من استخدام المناظير التي يستعان بها في رصد سوء الأحوال الجوية، وما يعترض الباخرة من أجسام وجبال جليدية، بحسب تقرير لروسيا اليوم.

إذ لم تكن التكنولوجيا الرادارية متقدمة آنذاك. وحينما سأل أحد أعضاء مجلس الشيوخ الأميركي المراقب، فريد فليت، الذي نجا بأعجوبة من حادثة الغرق، عن الفترة الزمنية التي كان من الممكن فيها رصد الجبل، فأجاب فليت: "ما يكفي من الوقت لتجنب وقوع الكارثة"!

وربما كانت هذه الحادثة أو ما شابهها، سبباً في أن نرى في أيامنا هذه مفاتيح خراطيم المياه في المباني الشاهقة والعامة، توضع في كوة حائطية، بواجهة زجاجية، ليكسرها أي شخص عند وقوع مكروه. وذلك حتى لا تعلق مصائر الناس بفرد واحد.

والمتأمل لأفضل الممارسات الإدارية حول العالم، يجد أنه من الصعوبة بمكان، أن تنص لائحة مهنية ومؤسسية، على أن يتولى شخص واحد مهمة مصيرية، ويوضح ذلك لائحة الصلاحيات المالية والإدارية.

والمفارقة في قصة التيتانيك، أن ذلك الشخص الذي اشترى مفتاح خزينة المناظير في مزاد، بنحو 70 ألف جنيه استرليني، لا يعلم أنه قد اشترى رمزاً تاريخياً، سيخلد تداعيات العمل الانفرادي، أو ما يسمى بلغة البزنس الـ one man show. وكان الأجدر بكل مؤسسة في العالم، ألا تعلق مفتاح مصيرها ومصير عملائها، في يد شخص واحد.

* كاتب كويتي

Email