حرارة الحرب تقترب

ت + ت - الحجم الطبيعي

ساد مصطلح «الحرب الباردة» لوصف الفترة ما بين 1947 ـ 1991، وهي الفترة التي دارت خلالها حرب من تحت الطاولة أو بالوكالة بين الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد السوفييتي تصارع الاثنان خلالها بشتى الوسائل بداية من التسلح العسكري وصولاً لغزو الفضاء، وفي عام 1991 استطاعت الولايات المتحدة أن تتربع على عرش القوى العالمية.

وتمضي في طريقها لتنصب نفسها صاحبة القرار الأوحد على الكرة الأرضية. اليوم وبعد 27 عاماً أو حتى قبل هذا اليوم بعدة سنوات فائتة تغيّر الكثير من الأمور، وبتنا نشهد نشاطاً كبيراً واستعراضاً أكبر للقوة الروسية وتفاخرها بامتلاك أقوى الأسلحة النووية التي لا تقاوم .

كما وصفها الرئيس بوتين، وما تقوم به من تجارب لأسلحة عسكرية واسعة النطاق في سوريا، هذا كله من جانب تحركات الصين ونشاطها ضمن مجموعة الخمس في مجلس الأمن، واعتراضها للكثير من القرارات الأميركية، وبناء تحالف مبطن مع حليفها الاشتراكي «روسيا».

ومع بروز نجم الصين ورجوع روسيا لدائرة القيادة يبقى الوضع شائكاً ومحيراً فإلى أين يتجه هذا العالم، وهل كل هذه الأمور هي حرب باردة وستبقى باردة، أم أنها ستتحول للهيب حرب؟

وما نلتمسه اليوم من سخونة وحديّة بين روسيا وأميركا من جانب، ومن جانب آخر التراشق الكلامي بين ترامب والزعيم الكوري الشمالي «كيم جونغ أون» والتهديدات العسكرية عقب تجارب بيونغيانغ لصواريخها البالستية، يشكل لنا تصوراً جديداً لمستقبل القوى العظمى العالمية، حيث إن من الواضح و كأن أميركا بنظامها الرأسمالي ما زالت تحارب الاتحاد السوفييتي ودوله الشيوعية.

ربما ينظر البعض لكل هذه المعطيات على أنها كلمات على صفحات الجرائد لا فائدة منها، ولكن في الحقيقة أن هذه المعطيات جميعها هي من تشكل مستقبل حياتنا الأمنية والاقتصادية والطبية والتعليمية، فبعد أن أصبح العالم قرية صغيرة، فما يحدث في أحد بيوتها سيؤثر سلباً أو إيجاباً بجميع البيوت من حوله.

ومنطقتنا العربية ليست ببعيدة عن كل هذه الصراعات بل هي منطقة التجارب العسكرية وفرض السيطرة والحرب بالوكالة، وإن في السكوت وانتظار ما سيحدث في هذا الوضع خطر كبير على أرواح ملايين العرب، خصوصاً أن دولاً كثيرة تحاول بناء أمجادها التاريخية على حساب أرواح العرب، كإيران وتركيا اللتين تستعرضان قوتيهما بطريقة غير شرعية في سوريا واليمن.

بناء التحالفات هو خطة الكثير من دول العالم، والتي بدأت ببناء مستقبل افتراضي بعد دراسة جميع التحركات العسكرية والسياسية الظاهرة على الساحة، وراحت تخطط لبناء تحالفات مع دول وقوى ترى بأنها ستقدم لها الدعم والحماية في المستقبل، ودولنا العربية أيضاً راحت في مثل هذا الطريق، وبدأت فعلياً ببناء تحالفاتها المستقبلية.

ومن الجدير بالذكر هنا أن دولتنا دولة الإمارات بدأت بتشكيل مركزاً للقوى وصناعة القرار في الشرق الأوسط بتحالفها مع المملكة العربية السعودية، والعمل سوياً في مختلف القضايا بنفس الرؤى والتوجهات، وهذا بطبعه سيعمل على خلق توازن في منطقتنا العربية، لاسيما أن هذا التحالف أعطى لمنطقتنا ثقلاً ووزناً سياسياً وعسكرياً له كلمته وله توجهاته ومصالحه ومحاذيره التي يجب عدم تجاوزها.

تحالف الإمارات والسعودية والبحرين ومصر ووحدة صف الكثير من الدول العربية الأخرى والتي أهمها الدول المشاركة في عاصفة الحزم وإعادة الأمل حول ضرورة مجابهة الإرهاب والقضاء عليه وعلى مموليه يخدم التطلعات المستقبلية لدولنا، فقد آن الأوان أن يكون لدولنا كلمة مسموعة أمام الدول العظمى.

وقد آن الأوان أن يكون للدم العربي قيمة بدلاً من استنزافه في حروب التجريب والتجارب، وهنا لا بد من العمل على توحيد الصفوف والتوجه بين دولنا العربية لدعم القضايا المشتركة والخروج بحلف عربي مشترك لمواجهة أي تهديد مستقبلي.

تحالف دولنا العربية سيحمي الكثير من أرواح الأبرياء، خصوصاً أن القوات الغاشمة التي تقاتل في اليمن المدعومة من إيران، ومثيلاتها في سوريا لا تأبه لهذه الأرواح، وهمها استعراض قوتها أمام العالم لتفرض سيطرتها وقوة كلمتها وقراراتها، ولكن هذا الوضع لن يستمر طويلاً خصوصاً أن الجهود الدبلوماسية والسياسية العربية بقيادة الإمارات والسعودية في مجلس الأمن لها تأثيرها القوي وتفرض وجوب التدخل لحل الأزمة، وهذا يدعم القوة العسكرية التي تحارب في اليمن لتحريرها من أيدي الحوثيين أعوان إيران.

وحدة الكلمة والصف والتوجه والرؤية هو مطلبنا للخروج من النفق المظلم الذي وضعتنا به القوى العسكرية العظمى، وحوّلت منطقتنا العربية لبحور من الدماء ومنطقة الصراع الأول في هذا العالم.

ووجوب الخروج الأمن من هذا النفق هو المهمة التي تنتظرنا لنحرك أوراقها ونضع خططها، ونستفيد من هذا التخبط لنضع ثقلنا ووحدة قرارنا العربي، خصوصاً أن شعوبنا قد عانت الأمرين خلال السنوات الثماني الماضية من قتل وتهجير.

لا يعنينا إن كانت موازين القوى ستقول كلمتها بأحادية القطب أو ثنائيته أو حتى خماسيته، ما يعنينا أن سلامة أراضينا وأرواحنا ودمائنا العربية هي الأهم وهي الملف الضائع بين قرارات مجلس الأمن والأمم المتحدة ونحن العرب من علينا إعادة أحيائه وإيجاده لنضعه على طاولة النقاش مجدداً، ويكون الصف العربي والذي له عضويته في مجلس الأمن متفق على وحدة المصير والقرار.

*كاتب وإعلامي

Email