زايد بصماته خالدة

ت + ت - الحجم الطبيعي

هناك زعامات تترك بصمات لا يمحوها الزمن على صفحة التاريخ في بلادها والعالم، وتظل الأجيال بعد الأجيال تتذكر، لعقود طويلة، مواقفها وإنجازاتها وما قدمته لشعوبها وللبشرية جمعاء، من فكر وعلم وحكمة وقدوة حسنة، وهو ما يؤكده الكاتب والمؤرخ الإسكتلندي الشهير، توماس كارليل، الذي يقول «إن تاريخ العالم ليس إلا سيرة الرجال العظماء».

فلا يمكن أن يجادل أحد في أن للعظماء والمبدعين دورا أساسيا ومحوريا في تحولات التاريخ في كل المجالات، فهناك قادة استطاعوا صنع المعجزات في بلادهم، بينما كانت الظروف المحيطة بهم غير مواتية، بل ومعوقة، وفي مقدمتهم المغفور له بإذن الله تعالى الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان طيب الله ثراه.

بهذه الكلمات سطر الدكتور جمال سند السويدي كتابه «بصمات خالدة»، والذي يحوي بين دفتيه سير شخصيات صنعت التاريخ وأخرى غيرت مستقبل أوطانها، شخصيات استطاعت أن تسطر تاريخ بلادها وشعوبها وغيرت بإخلاصها وإرادة الفعل مسيرة حياة شعوبها، ومثلت بفكرها وعبقريتها وتفردها القاطرة التي نقلت بلادها من هامش التاريخ إلى القلب من حركة أحداثه، بل وانتقلت إلى أن تكون محور ارتكاز في هذه الحركة بقوة فكرتها وحالتها الفاعلة لا بفكرة القوة وطغيانها، والأهم من هذه القوة الباعثة على النهضة أنها لم تتوقف عندها أو تنتهي بغيابها، غير أنها ظلت ميراثا مؤججا لا تخمد جذوته، ومنبعا ينهل منه الخلف عن السلف، وتظل سيرتها ومآثرها ورؤيتها باقية صالحة قادرة على التعامل مع تحديات لم تكن حينها قد طفت على السطح، لكن الحكمة تظل حاكمة حتى لو تغيرت الأزمان وتبدلت العصور ومجريات الأحداث، وهذا في تقديري هو سر خلود هذه الشخصية، ببساطة شديدة إن ما خلفته من فكر مازال قادرا وحيا وفاعلا رغم مرور الزمن وتتابع الأحداث.

هنا تكون الإجابة عن سر محبة زايد الخير الباقية في القلوب بين أبناء شعبه والعالم من حولنا.

وإذا كان للزعامات قوة في حضورها فإن قوتها الأكبر تتضح جلية بعد غيابها، تلك قوة الفكر والقيم والفعل والموقف الذي يكون سابقا لزمنه، فيظل ملازما لفعل الأحداث لا يتخلف عنها، هنا تكون قيمة الزعامة الحقة القادرة على استشراف مستقبل ورؤية نتائج لمقدمات لا تقدر عليها إلا هي، وأن تؤسس لمنظومة عمل وحركة لدولة وشعب، تكون مرجعا وأساسا كلما اشتدت الأحوال وأشكل الرأي فيكون الرجوع إليها نقطة تحول جديدة، لتظل الشخصية شاخصة باقية في دنيا الناس، ذلك هو حالنا مع زايد طيب الله ثراه، والذي اقترن اسمه بالخير، فكان «زايد الخير»، وأنعم به من لقب، فكم من الزعماء ارتبطت أسماؤهم بألقاب تفزع قلوب شعوبهم، اعتقادا منهم أن الخوف والفزع يولدان المهابة في النفوس التي كرهتهم، غير أن زايد أسس دولة المحبة والتسامح، وأرسى قيم الخير، فكان «زايد الخير»، الذي توجه شعبه ملكا على قلوبهم، وما أعظمها مملكة القلوب بصدقها وديمومتها، وذكراها العطرة، وقيمها الراقية، ومكانتها الرفيعة الخالصة المخلصة، ونفحاتها الطيبة، وآثارها الغناء، وميراثها الطيب، ونبعها الذي لا ينضب، وأهلها الصادقون.

لقد أقرن الشعب وشعوب العرب والعجم اسم طيب الله ثراه «زايد» بالخير، لأنه كان الطريق والمقصد، لا من أجل شعبه فحسب بل من أجل أمته، التي تشهد مآثره على سيرته ومسيرته، بل والعالم من حوله، كما أن سيرته قامت على أساس الوحدة لا الفرقة، التسامح لا التعصب، البناء لا الهدم، الانفتاح على الغير، إيمانا منه، رحمه الله، أن هناك قاسما مشتركا أعظم بين الإنسانية جمعاء يمكن أن يجتمعوا عليه، وأن ما يجمعنا أكثر مما يفرقنا، وأن قيمة الإنسان مهما اختلف لونه وعرقه ودينه تأتي من أنه صنع الله الذي أحسن كل شيء.

إن زايد الخير قد شيد بناء محكماً لدولة حصينة منيعة قادرة على النمو والتطور، الذي نشهده ونعيشه كل يوم بل كل ساعة، وقد أدخل منطقة من هامش التاريخ إلى قلبه، وحول بقعة من العالم من أرض منسية إلى نموذج ينظر إليه بكل الاحترام والتقدير.

إذا كانت البصمات المادية تتغير وتتبدل وتتطور بمرور الأيام والسنين غير أن البصمات التي تخلد دائما هي قوة الفكر، ووضوح الرؤية، ومنظومة القيم، التي رسخها رحمه الله لتظل بصماته خالدة في القلوب، وأفكاره محفوظة، يتناقلها الأجيال عبر الأزمان، ذلك سر الخلود.

Email