منبع السلوكيات غير العقلانية

ت + ت - الحجم الطبيعي

حاول علماء فهم جانب من سلوكياتنا غير الرشيدة، فذهبوا إلى إحدى دور السينما ووزعوا على الجمهور أكياساً من الفشار البالي (القديم) لا يبدو كذلك من طريقة التغليف.

وحصل نصفهم على أكياس صغيرة والباقي على متوسطة الحجم.

فتبين لاحقاً أنه على الرغم من أن الغالبية قد قالت إن الفشار لم يكن مذاقه جيداً، إلا أنهم التهموا كميات كبيرة منه. فوجدوا أن من كان كيسه أكبر تناول كميات أكثر.

وهذا ما يشير بوضوح إلى أن بعض الشركات تستغل ميل الإنسان نحو أمر ما فتدفعه لاتخاذ قرارات خاطئة.

وكذلك الحال في دراسة أخرى أظهرت أننا نتناول كميات أكبر من الطعام إذا كانت الحصة الموضوعة أمامنا كبيرة.

وربما هذا ما يبرر ما قرأته في بريطانيا وأمريكا من توجهات لخفض حجم الوجبات وبالتالي سعراتها الحرارية.

هذه الأبحاث وغيرها الكثير خاضها العالم الشهير البروفيسور ريتشارد ثالر، فتوج على إثرها قبل أسابيع بجائزة نوبل للاقتصاد، بعد أن تمكن من ردم الهوة بين علم الاقتصاد التقليدي الذي يفترض أن الإنسان يتخذ قرارات رشيدة وبين علم النفس ليبرز لنا علم "الاقتصاد السلوكي".

وقد وضع سليل جامعة شيكاغو التي انحدر منها ثلث مرشحي جائزة نوبل في الاقتصاد وعددهم 79، وزميله كاس سنستين الكثير من أبحاثهما في كتاب جميل سمّياه "الوكزة" أو "التنبيه" Nudge.

وهو يشير إلى أن البشر لديهم نزعة نحو اتخاذ سلوكيات غير رشيدة أو مستعجلة ومشوبة بالعاطفة في أحيان كثيرة.

وقد ألتفتت حكومات عدة لهذه المشكلة البشرية، فأسست حكومة ديفيد كاميرون المولعة بهذه الأمور «وحدة التنبيه»، لتقدم بطريقة منهجية «وكزة» للشعب في صورة برامج وسياسات عامة توعيهم بأهمية الانتباه لهذا الإرث الكبير من الاقتصاد السلوكي الذي يقف خلف سلوكيات عدة «غير عقلانية».

وتأسست نحو أكثر من خمسين وحدة مشابهة في العالم لهذا الغرض.

ونحن في المنطقة العربية، وتحديداً الخليجية من أحوج الشعوب إلى هذه الوحدات، لتوعية الناس لجشع «بعض» التجار والإعلانات الخداعة التي تستدرج البالغين وأبناءهم نحو سلوكيات هم في غنى عنها.

ونحتاج أيضاً إلى الكثير من «الوكزات» المبنية على الحقائق العلمية في جوانب عدة، منها مثلاً أننا من أكثر الشعوب سمنة، وهي منطلق أمراض شتى فضلاً عن تفشي ظاهرة المظاهر في كل أرجاء المعمورة بسبب مليارات اللقطات والصورة التي توهم الناس أو تدفعهم دفعاً نحو قرارات ليست مبنية على أساس حكيم.

وما رأيناه من تجمهر الناس في القمة العالمية للحكومات في الإمارات على مؤلف الكتاب في حفل توقيعه، لهو أكبر دليل على حاجتنا لمن يوقظنا من غفلتنا «بوكزة» خفيفة علها تعيدنا إلى رشدنا الاقتصادي.

Email