عهد وأورين .. الباسلة والعنصري

ت + ت - الحجم الطبيعي

أهلك بعض الصهاينة وقتاً وجهداً فائضين، وهم ينقبون عن أصول المناضلة عهد التميمي، التي يراوح عمرها الآن بين نهاية مرحلة الطفولة والصبا وبين أعتاب مرحلة الشباب. وفي هذا السياق بلغ التفلسف والتفيقه دركهما الأسفل على يد مايكل أورين، حين افترض بناء على المقاربة الخارجية والتأمل في الملامح الظاهرة، كلوني البشرة والعينين ونوع الملبس والسمت العام، أن هذه الفتاة «قد لا تكون انحدرت من عائلة فلسطينية، وإنما تم اختيارها وأفراد أسرتها الصغيرة وتركيبها بشكل بوليوودي، في خدمة الدعاية الفلسطينية»!.

لم يطرح أورين افتراضه اللوذعي على محمل الهزل، فهو صرح لصحيفة هآرتس (24/1/2018) بأن أكثر من جهاز أمني واستخباري إسرائيلي، ومنها الأمن الداخلي (الشاباك) ومجلس الأمن القومي ومنسق أعمال الحكومة في الأراضي الفلسطينية شاركوا قبل عامين من واقعة صفع عهد للضابط الإسرائيلي الذي اقتحم بيتها في قرية النبي صالح وسط الضفة المحتلة، في تحري أصول هذه الفتاة الجريئة وأفراد أسرتها، الذين ظهروا في أكثر من شريط فيديو. «ولم نتوصل إلى نتيجة قاطعة حول انتمائهم إلى عائلة التميمي».

مؤدي ذلك، أن دولة إسرائيل وقفت على أطراف أصابعها، وجندت ما نعلم وما لا نعلم من أجهزتها التي تحصي على الفلسطينيين أنفاسهم، لأجل التثبت من نظرية أورين وصحبه الخائبين، لكن هذا الجهد المعملي الجهيد لم يقع على ضالته الخرافية، ومع ذلك فإن أورين يعد بمواصلة البحث.

عيوب هذه اللوثة الصهيونية الإسرائيلية المثيرة للسخرية أكثر من أن تحصى، لكن أكثرها إلحاحا على الخاطر ما ينطوي عليه ظاهرها وباطنها من دلالات عنصرية.

خذ عندك مثلاً، انطلاق أورين وجماعته في زعمهم من ملاحظة «اختلاف ملابس عهد ولون بشرتها الشقراء التي يعلوها النمش، عن السائد في المجتمع الفلسطيني».

الأسئلة هنا: ترى ما هو هذا السائد بنظرهم؟ أيظن هؤلاء أن الخالق جل جلاله قد حرم الشقرة و«الملابس الغربية» على الفلسطينيين؟ وهل نحن بصدد تصنيف لسكان فلسطين الأصليين وغير الأصليين طبقاً لألوان البشرة واللباس؟ وإذا ما سايرنا جدلاً أصحاب هذا النهج التمييزي، ألم يهدهم عامان من البحث الوراثي إلى أن فتاتنا المقدامة تنتمي إلى عائلة تضرب جذورها في فلسطين لنحو ألف وأربعمئة عام على أقل تقدير، وهذه حقبة، شهدت يقيناً اختلاطاً بالمصاهرة والنسب مع مئات من العائلات الأخرى، بما أدى لإنتاج هذا الوجه الصبوح والقلب الجريء واليد التي تصفع المغتصب بلا تردد؟

إلى ذلك، أين الضابط المصفوع وجنوده من هذه التمثيلية المزعومة، لماذا لا يندرجون في حيز الشبهة والتحقيق، وصولاً إلى المؤلف والمنتج والمخرج؟! ثم لماذا لا يفترض بعض الموقنين بنظرية التمثيل والتآمر، بأن الغارة الإسرائيلية على منزل عهد، قد حيكت بليل، بغرض إظهار صورة نمطية إيجابية لضباط إسرائيل وجنودها، بحسبهم يتحملون الصفعات ولا يتعجلون الضغط على الزناد حتى في لحظات الإهانة؟ هناك تعليقات وردود أفعال إسرائيلية على الواقعة، توجب التفكير بهذه الطريقة وعدم استبعاد التآمر على عهد وأسرتها المناضلة.

يتساءل بسام التميمي والد عهد «إن كان ما حدث مجرد تمثيل، فلماذا تحاكم عهد على صفعها لممثل وهو برأيهم ليس جندياً؟».

لعل عذر مايكل أورين في معالجته الخيالية هذه، أنه هو نفسه شخصية بها كثير من الاصطناع، وينتمي لقوم وشعب مصطنع ويدافع عن كيان استيطاني ملفق، فهو أميركي الأصل والميلاد (1955)، واسمه الحقيقي مايكل سكوت بورنستين، ولكنه غيره إلى مايكل أورين حين حصل على الجنسية الإسرائيلية عام 1979، وقد تخلى عن جنسيته الأميركية الأولى في الفترة ما بين 2009 و2013 كي يظفر بمنصب سفير إسرائيل في بلده الأصلي.

وفي العام 1982 تزوج الرجل من سالي ادلشتاين، الأميركية المولودة في سان فرانسيسكو والمهاجرة إلى إسرائيل قبل عام واحد فقط.

أورين أو بورنستين هذا، إلى كونه ضابطاً سابقاً ودبلوماسياً، فهو محاضر أكاديمي ومؤرخ متخصص في شؤون الشرق الأوسط، ولو أنه انتفع بعلمه لما أضنى نفسه بحثاً عن أصل فتاتنا وفصلها، المبثوث في عشرات المراجع الرصينة يسيرة المنال، ولكان أولى به أن يستفسر عن أسباب وجود شقر وبيض وصفر وحمر وسود في «الشعب اليهودي»، الذي يدعي استمرار نقائه العرقي منذ عهد سيدنا يعقوب والأسباط ؟!.

Email