السجال بين بريطانيا والاتحاد الأوروبي

ت + ت - الحجم الطبيعي

ثارت مناوشات كلامية بين بريطانيا والاتحاد الأوروبي بعد تصريحات تيريزا ماي رئيسة الوزراء البريطانية بعدم إعطاء حقوق المواطنة الكاملة لمواطني الاتحاد بعد الخروج في مارس 2019 خلال الفترة الانتقالية التي قد تمتد لعامين.

وجاء الرد الأوروبي بأن الموضوع غير قابل للتفاوض. وقد أيد الموقف الأوروبي زعيم حزب العمال المعارض جيرمي كوربين. وهكذا تبدو الجبهة منقسمة داخل بريطانيا. يضاف إلى ذلك الانقسام بين الساسة البريطانيين بخصوص البقاء في الاتحاد الجمركي الموحد بعد الخروج. ففي الوقت الذي يؤكد فيه دعاة الخروج الحاد من الاتحاد مثل بوريس جونسون وزير الخارجية البريطانية ومايكل جوف وزير البيئة على ضرورة الخروج من هذا الاتحاد.

يرى دعاة الخروج المتدرج وعلى رأسهم وزير الخزانة فيليب هاموند وحزب العمال المعارض بأهمية البقاء في الاتحاد الجمركي. هناك بعض الأمور التي كشفتها تصريحات تيريزا ماي بخصوص حقوق المواطنة الكاملة لمواطني الاتحاد بعد مارس 2019 من جانب، والانقسام حول الاتحاد الجمركي الموحد من جانب آخر.

من حق بريطانيا أن تفرض قيوداً معينة على الحقوق الممنوحة للأوروبيين بعد الخروج العام المقبل. وعدت بريطانيا بالحفاظ على الوضع الراهن للأوروبيين المتواجدين على التراب البريطاني، والذين يبلغ عددهم أكثر من ثلاثة ملايين شخص. إن أحد الأسباب الرئيسية للتصويت بالخروج من قبل البريطانيين هو السيطرة على الحدود البريطانية وعلى الهجرة. فإذا استمر الأوروبيون بالنزوح خلال الفترة الانتقالية، فهذا يعني خروج ممسوخ من الاتحاد.

يضاف إلى ذلك لن يكون لبريطانيا خلال الفترة الانتقالية التصويت على أي قرارات داخل الاتحاد. إن تسجيل مواطني دول الاتحاد الأوروبي بعد الخروج الرسمي، ووضع تشريعات معينة بهذا الخصوص هو حق يجب أن تتمسك به بريطانيا ولا تتنازل عنه.

 

 

تدور المسألة الثانية حول الاتحاد الجمركي الموحد. تسعى أطراف عدة داخل بريطانيا ولاسيما حزب العمال ومن دعاة الخروج المتدرج إلى محاولة الإبقاء على بريطانيا داخل الاتحاد الجمركي.

هناك تأكيدات من داخل الاتحاد أن هذا الأمر لا يمكن حدوثه لأن البقاء بالاتحاد الجمركي يتطلب أن تكون بريطانيا جزءاً من السوق المشتركة، والبقاء في السوق المشتركة يرتبط بحرية تنقل الأفراد، وهذه الحرية في التنقل لا ترضى بها بريطانيا، وهي سبب رئيسي للخروج.

ومن هنا توجد استحالة في البقاء في الاتحاد الجمركي، ولكن يمكن عمل ترتيبات بديلة تحقق مصالح الطرفين مثل قيام بريطانيا بفرض ضرائب على السلع المتوجهة إلى دول الاتحاد من خلال بريطانيا، وتخفيضها على السلع والخدمات التي تستهدف السوق البريطانية.

يتعلق الأمر الثالث بعدم قدرة الحكومة البريطانية تقديم معالم واضحة يفهمها المواطن العادي البريطاني حول الخروج. هناك غموض يسود داخل المجتمع البريطاني حول مفاوضات الخروج والانقسام داخل الحكومة البريطانية حول بعض قضايا الخروج.

ومن هنا فإن فشل الحكومة في استخدام الإعلام لتوضيح الصورة يساهم في تزايد الأعباء على رئيسة الوزراء. بالرغم من تصريحات تيريزا ماي حول عدم طرح خطط مفصلة للخروج لا يعني عدم وجود رؤية واضحة المعالم للخروج. ولكن توضيح النقاط الرئيسية بصورة حاسمة من خلال وسائل الإعلام لهو أمر ضروري للمضي قدماً في تحقيق اليقين والاستقرار داخل بريطانيا.

تركز النقطة الرابعة على قدرة بريطانيا على عمل اتفاقات تجارية وانفتاحها على العالم الخارجي وعدم الخضوع للابتزاز الأوروبي. نجحت تيريزا ماي خلال زيارتها للصين أخيراً في توقيع اتفاقات تجارية بمليارات الدولارات.

وهذا يؤكد أن مستقبل بريطانيا لا يرتهن بالتواجد داخل الاتحاد الأوروبي. يضاف إلى ذلك في الوقت الذي تحتاج بريطانيا للاتحاد، يحتاج الاتحاد لبريطانيا. هناك ذعر داخل الاتحاد حول الفراغ المالي الذي ستتركه بريطانيا بخروجها من الاتحاد.

إن بريطانيا هي ثاني أكبر مساهم في ميزانية الاتحاد. ومن هنا يمكن التفاوض حول قيام العلاقات المستقبلية على أسس جديدة تحقق مصالح الطرفين. على بريطانيا أن تتفاوض من موقع قوي ولا تخضع لابتزاز مفاوضي الاتحاد. أخيراً أرى أن هذا العام هو محوري لبريطانيا لتقوم بتوحيد الجبهة الداخلية حول مصلحة بريطانيا أولاً بعيداً عن الخلافات الحزبية والأيدلوجية.

إن توحيد الجبهة الداخلية من خلال التوافق على خريطة التفاوض وسيناريوهات الخروج بما فيها عدم التوصل لاتفاق سوف يصب في مصلحة المفاوض البريطاني ويقوي موقفه خلال هذا العام وحتى الخروج الرسمي العام المقبل والتسريع بالفترة الانتقالية.

هناك أوراق تفاوض قوية لدى بريطانيا وعليها استخدامها بحكمة وبسرعة مثل أن بريطانيا هي أكبر مستورد للسيارات الألمانية. فيمكن استخدام جماعات الضغط في دول الاتحاد لوضع ضغوط على بلدانهم من أجل التوصل لاتفاق عملي يحقق مصلحة الطرفين بصورة ما.

* كاتب مصري

Email