بولندا تكسر جرّة «المحرقة»

ت + ت - الحجم الطبيعي

ما أن يدق الكوز بالجرة حتى يلوّح الإسرائيليون بالهولوكوست، لكن هذه المرة قررت بولندا كسر الجرّة وأعلنت أن لا علاقة للبولنديين بما فعله هتلر باليهود.

ففي يوم ذكرى الهولوكوست (المحرقة) الذي تحييه إسرائيل واتباع الحركة الصهيونية في العالم، وافقت بولندا على قانون يبرئها من تهمة المشاركة بإبادة اليهود، وتسليمهم للنازيين الذين احتلوها في الحرب العالمية الثانية. ووفق القانون الجديد الذي وافق عليه مجلس النواب البولندي، يحظر التحدث عما يسمى «جرائم الشعب البولندي» أثناء الهولوكوست، وسيعتقل كل من يستخدم مصطلح «معسكر الإبادة البولندي ويسجن ثلاث سنوات».

أثار القانون غضباً هستيرياً في إسرائيل، حيث استدعت الخارجية الإسرائيلية السفير البولندي وقدمت احتجاجاً رسمياً. مبعث الغضب ليس فقط للقانون البولندي بل لأنه سابقة تطال ما تعتبره إسرائيل من المحرمات على أي إنسان في العالم أن «يرتكبها»، والتهمة طبعاً جاهزة، «معاداة السامية»!

رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتانياهو، قال في صفحته على تويتر: «لا أساس من الصحة لهذا القانون، لهذا أعارضه بشدة. لا يمكن تغيير الماضي، ويحظر إنكار الهولوكوست. أمرتُ المسؤولين في السفارة الإسرائيلية في بولندا بأن يلتقوا، هذا المساء أن يجتمعوا مع رئيس حكومة بولندا، ويعبّروا أمامه عن موقفي الحازم ضد القانون».

ما أثار غضب البولنديين بشكل خاصّ تغريدة رئيس حزب «هناك مستقبل»، يائير لبيد، الذي كتب في تويتر: «استنكر القانون الجديد الذي سنه مجلس النواب البولندي والذي يسعى إلى إنكار تورط البولنديين الكثيرين في الهولوكوست. لن يغيّر أي قانون بولندي الماضي. شاركت بولندا في الهولوكوست، وقُتِل مئات اليهود في أراضيها دون أن يحركوا ساكناً».

وعلقت السفارة البولندية في إسرائيل على حسابها الرسمي في تويتر «تُظهر الادعاءات غير الصحيحة أهمية تعليم موضوع الهولوكوست في إسرائيل أيضاً. لا يهدف مشروع القانون البولندي إلى تحريف الماضي، بل إلى الحفاظ على الشعب البولندي ضد أقوال الإهانة هذه». ولكن لم يبق لبيد مبالياً فأجاب: «أنا ابن لناجين من الهولوكوست. لا داعي لأن أعرف معلومات عن الهولوكوست من البولنديين، ويتعين على السفارة أن تقدم اعتذارها فوراً». ورداً على أقوال لبيد، وردت تغريدات في صفحة السفارة البولندية: «أنت وقح».

لا أحد ينكر ما فعله هتلر باليهود، لكن الحركة الصهيونية ضخمت المحرقة واتخذت منها حصان طروادة للدخول إلى فلسطين وإقامة كيان يحل محل فلسطين وتشريد أهلها بادعاء أنها أرض بلا شعب. وهذا ما أكده المؤرخ الإسرائيلي إيلان بابي الأستاذ في جامعة اكسيتر البريطانية في كتابه «الخرافات العشر حول إسرائيل».

في التسعينيات ظهر كتاب أشد دقة من ناحية المصادر والتحليل في إنكار الهولوكست. إنه الأساطير المؤسسة للسياسة الإسرائيلية للفيلسوف الفرنسي روجيه غارودي. يتحدث عن مجموعة من الأساطير بُنيت عليها السياسة الإسرائيلية من بينها «أسطورة الهولوكوست»، فيعرض الكاتب مجموعة من الحقائق العلمية والتاريخية لا تسمح بقول إنه كانت هناك غرف للغاز من أجل قتل الناس وأن عدد 6 ملايين مبالغ فيه جداً، ويتحدث الكتاب عن الدور الفعّال للوبي اليهودي في الولايات المتحدة في الترويج لما يُسمى الهولوكوست.

مسألة المحرقة شائكة ومعقدة. وما من مؤرخ أو سياسي في العالم يقترب من الحقيقة إلا ويحاصر ويستبعد ويعزل في محيطه. فاليهود الصهاينة، وليس كل اليهود يؤمنون بما جاء به آباء الحركة الصهيونية بدءاً من كذبة «أرض بلا شعب» وحكاية الهولوكوست، وليس انتهاءً بمقولة السلام. ها هي بولندا كدولة تكسر جرة الهولوكوست، وتقترب من المحرم الصهيوني. وقد تتبعها دول أخرى نحو التحرر من عقدة الذنب ليظهر الذئب على حقيقته.

* كاتب أردني

Email