مركز محمد بن راشد للفضاء

ت + ت - الحجم الطبيعي

من المقطوع به يقيناً أننا نعيش عصر السموات المفتوحة، هذا العصر الذي باتت فيه أبصار العالم كله تتجه إلى القادم من ذلك الفضاء الفسيح حتى الآن، والذي في تقديري، لن يظل بهذه الفسحة لفترات مستقبلية قادمة، ذلك أن القوة العلمية والاقتصادية والعسكرية والتنموية التي تتم على الأرض إنما هي مرآة للقدرة على التحكم في الحركة على الفضاء، وأن أدوات القوة على الأرض تتناسب طردياً مع القدرة على ملء الفضاء، ذلك أن كافة أشكال التنمية باتت معتمدة، وبخاصة المستدامة، على قوة المعلومة التي تحدد مساراتها، والتي يكون مصدرها في الغالب تكنولوجيا الفضاء، التي أتاحت لنا قدراً أكبر من الحركة، والتي تتطور بوتيرة متسارعة لدرجة غيرت شكل الاتصال جذرياً.

آية ذلك والشاهد عليه أننا بالأمس القريب حين لم يكن متاحاً متابعة غير محطة واحدة أو اثنتين للإذاعة المسموعة أو القنوات التليفزيونية، التي كانت تحتاج في حالة الرغبة في تغطية مساحة جغرافية أكبر إلى محطات تقوية في ظل البث الأرضي، وهو الأمر ذاته حين كانت الطائرات هي الوسيلة التي يمكن أن تنتقل الطبعات الصحافية من خلالها، وما يترتب على ذلك من فارق في الفترة الزمنية ينتج عنه فارق في آنية الخبر، فضلاً عن الصعوبات الخاصة بالاتصال التليفوني، وغير ذلك كثير.

إلا أن تكنولوجيا الأقمار الاصطناعية قد غيرت كافة أشكال الاتصال حين أصبحت الإشارات الكهرومغناطيسية تجوب العالم خلال ثوان معدودة لتنقل الخبر والمعلومة والكلمة، والصورة التي تطورت من النقل المتماثل إلى النقل الرقمي الأكثر جودة ووضوحاً، كما أن إشارتها باتت مضغوطة مما ساعد على زيادة نطاق البث وتعدد أشكاله.

ولم يتوقف الأمر عند ذلك الحد ولكن أصبحت تكنولوجيا الأقمار عنصراً فاعلاً ومشاركاً في صناعة القرارات التجارية والاستثمارية وآفاق التنمية التي يعد عنصر الوقت فيها عاملاً حاسماً ومؤثراً، ولأن الأمر على هذا النحو كانت إرادة البناء والتنمية مصحوبة دائماً بالتطلع إلى آفاق رحبة.

أولها تلك السموات المفتوحة وأصحاب العزيمة، دائماً ما تكون تلك الآفاق ساحة جاذبة، من هنا كان تأسيس مركز محمد بن راشد للفضاء، والذي يشكل جزءاً أساسياً من المبادرة الاستراتيجية لدولة الإمارات وحكومة دبي، الهادفة إلى دعم الابتكارات العلمية والتقدم التقني والدفع بعجلة التنمية المستدامة في الدولة، والتي باتت صناعة الفضاء جزءاً أصيلاً منها،

لذا كان الاهتمام بإطلاق المركز لبرامج علوم الفضاء الطموحة والمشاريع العلمية والتقنية المتقدمة كي تسهم في أخذ قطاع الفضاء إلى واجهة المشهد التنموي في دولة الإمارات، وانعكس ذلك على التأسيس لقاعدة بشرية وطنية مدربة، قادرة بما تمتلكه من مهارات وتستند إليه من أساس أكاديمي على تلبية احتياجات المرحلة بروح وطنية خالصة.

كما كان له التأثير ذاته في نوعية البرامج الأكاديمية والاهتمامات البحثية في الجامعات والمعاهد العلمية بالدولة التي أصبح معها لعلوم الفضاء أولوية كبيرة، ولا شك في أن إقبال أبناء الوطن على تلك التخصصات الدقيقة يؤكد وعيهم وتحملهم لمسؤوليتهم في مسيرة البناء.

ولا شك في أن مركز محمد بن راشد للفضاء يمتلك سجلاً حافلاً بالإنجازات الرائدة، فبعد أن أطلق بنجاح كلاً من القمرين الصناعيين «دبي سات 1» و«دبي سات 2» في 2009 و2013 على التوالي، انطلق المركز ليخوض غمار مشاريع فضائية واعدة جديدة، حيث يعمل حالياً على تصنيع القمر الصناعي «خليفة سات» بأيد وطنية خالصة، والمخطط إطلاقه إلى الفضاء خلال هذا العام بإذن الله، وسيكون القمر الصناعي الأكثر تقدماً الذي ترسله دولة الإمارات إلى الفضاء.

لقد تم تصميم القمر الصناعي «خليفة سات» كي يتمكن من التقاط صور عالية الجودة تلبي احتياجات المؤسسات الحكومية والقطاع الخاص والمساهمة بفاعلية في التنمية المستدامة، سواء على مستوى الرصد البيئي، أو التخطيط العمراني، أو التغيرات المناخية، أو عمليات الإغاثة وإدارة الأزمات والكوارث.

وسيساعد على مراقبة حركة الملاحة، كما أنه سيكون قادراً على منافسة أكثر الأقمار الصناعية تقدماً على مستوى العالم، وفقاً لأعلى المعايير العالمية من الدقة الهندسية واللونية، حيث ستصل درجة وضوح الصور الملتقطة إلى 0.7 متر و4 أمتار للنطاقات متعددة الأطياف.

إن النهضة الإماراتية في صناعة الفضاء تأتي في السياق الطبيعي للنهضة الشاملة التي تتبناها القيادة الرشيدة، والتي وضعت أساسها على الأرض، فاستطاعت أن تحلق في الفضاء في عصر بات فيه التواجد الفاعل في الفضاء أساس النهضة المستدامة على الأرض.

 

 

Email