ترشح السيسي عشية ذكرى 25 يناير

ت + ت - الحجم الطبيعي

خلال مؤتمر «حكاية وطن» الذي عقد الأسبوع الماضي، وأعلن خلاله الرئيس عبدالفتاح السيسي ترشحه لولاية ثانية لرئاسة مصر، كان واضحاً، قبيله وخلاله وبعده، أن الشواغل الداخلية احتلت أولوية كبرى في جلسات البحث والنقاش والمداخلات،علاوة على أن القضايا الاقتصادية والأمنية حظيت بنصيب الأسد في أعمال المؤتمر.

المصادفة وحدها جعلت توقيت انعقاد المؤتمر وإعلان قرار الرئيس السيسي متزامناً مع حلول الذكرى السابعة لثورة الخامس والعشرين من يناير التي وضعت مصر فوق بركان بارود متفجر وفي أتون نيران متأججة دفع الشعب المصري - وربما لا يزال - ثمناً باهظاً لها مع انتكاسات أمنية وسياسية واقتصادية ومجتمعية ضربت البلاد بعنف منذ ذلك التاريخ وحتى سنوات قليلة مضت، إلى الحد الذي دفع أحد الكتاب من مشاهير العرب إلى القول أن مصر أصبحت بعد 25 يناير «فرجة العالم»!

هذا التعبير القاسي لم ينبع من فراغ ولكنه في حقيقة الأمر كان نتيجة منطقية لتطورات وأحداث دامية ومؤلمة وقعت في ربوع مصر وكان من الممكن - لولا العناية الإلهية أولاً ووجود درجة كبيرة من الوعي والتحضر والعمق التاريخي لدى الشعب المصري ثانياً وثورة الثلاثين من يونيو 2013 التي قادها السيسي ثالثاً - أن تغرق مصر في بحور من الدماء والحروب والمواجهات التي لا نهاية لها بكل ما يترتب عليها من تداعيات خطيرة وتشرذم محتمل للدولة.

هذه الحقائق الثابتة تبرر إلى حد كبير هيمنة قضايا الشأن الداخلي على «حكاية وطن» وجلساته، برغم أن مصر القيمة والقامة، المكان والمكانة، على مدار التاريخ، كثيراً ما كانت مكانتها الدولية وتأثيرها القوي في محيطها هي السند الأقوى لأي نظام أو حكومة تستعرض إنجازاتها أمام الشعب.

وليس هناك شك في أن وضعية مصر الإقليمية والدولية وعلاقاتها مع دول العالم وانفتاحها على كافة القوى في الوقت الراهن تختلف تماماً عن تلك التي كانت موجودة قبل أربع سنوات، فمن حالة عزلة دولية على وجه التقريب إلى وجود قوي وحضور ملحوظ في مختلف القضايا والفعاليات الدولية.

هذه أيضاً حقيقة ميدانية راسخة كان من الممكن أن تتصدر «حكاية وطن» كدليل نجاح على قدرة الرئيس السيسي في تحويل دفة البلاد نحو الأفضل ويقدمها للشعب المصري كأهم أوراق اعتماده للحصول على فترة ولاية ثانية لحكم البلاد.

إلا أن الشواغل الداخلية لا تزال بالفعل هي الهاجس الأكبر الذي يحظى بالاهتمام المطلق للمصريين على اختلاف مشاربهم وتوجهاتهم ومستوياتهم، وهو ما يدركه الرئيس السيسي جيداً فجاءت «حكاية الوطن» بمثابة كشف حساب لسنوات أربع ماضية، هي فترة حكمه الأولى، وبرنامج عمل لأربع سنوات مقبلة، هي فترة حكمه الثانية.

لا ينكر المصريون بالقطع على الرئيس السيسي نجاحه الكبير بالفعل في إعادة مصر بقوة للساحة العالمية، ومن حيث المبدأ وبرغم الضربات الإرهابية القاسية والمؤلمة التي تعرضت لها مصر في السنوات الأربع الماضية، وبالأحرى منذ 30 يونيو 2013 وأوقعت مئات الشهداء وآلاف المصابين من الجيش والشرطة والمدنيين الأبرياء وكلفت البلاد خسائر مادية ومالية واقتصادية طائلة.

إلا أن الصرامة الشديدة والعزيمة القوية وردود الفعل القوية التي تبنتها مؤسسات الدولة المصرية جعلت الشعب بأكمله يصطف خلف قيادته لقناعته بأن يخوض بالفعل حرب وجود لا تحتمل التراجع مهما كلفت، والحديث عن نجاح الدولة المصرية في مواجهة ضربات الإرهابيين بنجاح ليس ضرباً من الخيال ولا مبالغة في اعتبارها - حتى ولو من وجهة نظر شخصية - ضربات أحادية أو فردية محدودة الزمان والمكان برغم بشاعتها ونتائجها المؤلمة بكل تأكيد.

ما تحقق في مجال الاستقرار الأمني على مدار السنوات الماضية هو بالفعل ثورة قائمة بذاتها يؤكدها على سبيل المثال لا الحصر هذا النمو الهائل في التدفقات الاستثمارية الخارجية والسياحية، والمشروعات الكبرى في مجالات الصناعة والزراعة والطفرة الكبرى في منشآت البنية التحتية والكهرباء والطرق والإسكان والإصلاحات المالية الصعبة التي يتحملها الشعب بشجاعة نادرة لإدراكه أنها السبيل الوحيد للانتقال إلى مراحل معيشية أفضل.

لقد قيل الشيء الكثير من هذه الحقائق المدعومة بالصوت والصورة في «حكاية الوطن» ولكن ربما كانت في الخلفية حقيقة أخرى حول تزامن المؤتمر مع ذكرى ثورة يناير التي خرج عشرات الملايين من المصريين خلالها رافعين شعارات تهتف بطلب «العيش والحرية والعدالة الاجتماعية» وهي القضايا الداخلية ذاتها التي يدافع عنها الرئيس السيسي منذ توليه السلطة وأكد أهميتها والعمل على تنفيذها واستكمالها في فترة الرئاسة الثانية.

وكأنه يؤكد بذلك أنه تفاعل مع نبض الشارع الذي تعالى خلال الثورة دون التضحية بالأمن والأمان وانضباط الدولة، ما يؤكد أيضاً أن الدولة المصرية إذا ما سارت على هذا النهج - وأغلب الظن أنها ستفعل فإنها ستكون فعلاً «فرجة العالم» ولكن هذه المرة لمتابعة الإيجابيات والدولة الحديثة التي تولد من رحم المعاناة.

 

 

Email