اللغة والفكر

ت + ت - الحجم الطبيعي

هل فكر أحد منا يوماً، كيف نستخدم اللغة بكل براعة وطلاقة، دون أن نفكر في تفاصيلها أو نتوقف على كيفية تشكلها لحظة التحدث، هل توقف أي منا للتأمل في كيفية اكتسابنا للمهارات اللغوية المدهشة، وفي ملكات اللغة وإمكاناتها غير المحدودة، إذ إننا عبر مراحل حياتنا، نواصل تعميق ملكاتنا اللغوية وإثراءها بإمكانات إبداعية خلاقة لا حصر لها.

يسجل تاريخ البشرية تجارب مثيرة لتشكل اللغات وانتشارها، وتشهد وقائع الدهور، بأن الفينيقيين هم من نقل الأبجدية إلى اليونانيين، وبالتالي، هم من نقل الكتابة والمعرفة إلى الأوروبيين.

وتُعد اللغة السومرية، التي تشكلت في بلاد ما بين النهرين (العراق حالياً)، من أقدم اللغات المكتوبة التي عرفتها الإنسانية.

وقد كُتِبَ للغة الإنجليزية، التي كان يتحدث بها بعض القبائل الجرمانية في جنوب إنجلترا، أن تصبح واحدة من أهم اللغات العالمية، إن لم تكن أهمها على الإطلاق.

وتحتل اللغة العربية مكانة مرموقة، ولها مكانة كبيرة لدى أكثر من 1.8 مليار مسلم في جميع أنحاء العالم، وتُعد واحدة من اللغات العالمية الست الأكثر استخداماً.

واللغة هويتنا ولساننا، ينقل كل ملامح شخصيتنا وثقافتنا وتراثنا، وتبدأ خلجات التواصل مع تشكلنا في أرحام أمهاتنا، حيث تبدأ الأجنة باستشعار الإيقاعات والفروق الدقيقة لما تلهج به الأمهات!

ومن المدهش حقاً، أن الأمهات يدركن الرسائل المختلفة التي يؤديها بكاء الأطفال للتعبير عن احتياجاتهم المختلفة، قبل أن يبدأ الأطفال مرحلة الكلمة المنفردة، التي تليها مرحلة الجمل القصيرة. وعندما يصبح الأطفال في سن المدرسة، يكون قد تشكل لديهم ثروة من المفردات لا تقل عن 2000 كلمة.

وتتشكل لدى الأطفال الذين ينشؤون في بيت فيه مكتبة، ويقرأ لهم آباؤهم الكتب بانتظام، ثروة كبيرة من المفردات، وقدرة على فهم الكلمات المجردة الأكثر تعقيداً. ويظهرون تفوقاً كبيراً في المدرسة على أقرانهم الذين لا يتمتعون بذات الميزات، ولا توفر لهم بيئاتهم فرصة التواصل مع الكتاب.

لذا، فإنه من الضروري أن نخصص يومياً القليل من الوقت للقراءة لأطفالنا بشكل منتظم، ربما قبل النوم، لنغرس محبة الكتاب في نفوسهم، ونفتح لهم النوافذ على عالم اللغة والمعرفة والإبداع.

ونلاحظ أن الأطفال الذي ينشؤون مع القراءة (بهدف الاستمتاع أولاً)، تتعمق لديهم المَلَكة اللغوية، ويكتسبون قدرات استثنائية، تمكنهم من التعبير عن آرائهم وأفكارهم شفاهة وكتابة.

إذاً، كيف يمكننا غرس محبة الكتب والقراءة لدى أطفالنا؟، أعتقد بأنه لا بد لنا من أن نخصص يومياً وقتاً منتظماً لقراءة الكتب، حتى نغدو المثال الذي يحتذي به أطفالنا، ويجب أن نتحاور دائماً مع أطفالنا، ونتعرف إلى اهتماماتهم وإلى الأشياء والأنشطة التي تستحوذ على اهتمامهم في الكتب والحياة بشكل عام.

نعم، أصبحت حياتنا شاقة ومليئة بالمشاغل بشكل متزايد، بل إننا أصبحنا، صغاراً وكباراً، مسلوبين ومأخوذين بالعالم الافتراضي، نرى العالم عبر ما تعرضه الشاشات الإلكترونية، ونتحرى ما يحدث من حولنا، من خلال شبكات التواصل الاجتماعي!،

لا بد لنا من وقفة للتأمل، لا بد لنا أن نخرج خارج هذا الإطار الخانق، لنبدأ بتخصيص أوقات ذهبية خالية من أي أداة إلكترونية، للتمتع بحياتنا بحرية مع من نحب، نجلس مع أطفالنا، ونتحاور معهم عن مدرستهم وعن أنشطتهم وهوياتهم، ونترك لهم المجال ليشركونا بما يجول بخلدهم.

وهذا يعيدنا إلى مدى أهمية اللغة ودورها في عملية التفكير، ليست اللغة مجرد أداة التفكير، فالعلاقة بينهما متداخلة، وكلاهما يحتوي الآخر، فالأفكار يتم صياغتها بواسطة الكلمات والجمل، ولكن الكلمات ذاتها أفكار أيضاً، لذا، يمكننا القول بأن الأفكار تصوغ اللغة، وتمكننا هذه الثنائية الفريدة من التعبير عن مشاعرنا، ووعينا بالعالم من حولنا، وتعاطفنا مع الآخرين.

إن التفكير المتزن الناضج، الذي يسمح لنا باتخاذ قرارات متوازنة، يستند لمقدرة لغوية عميقة، ولو أردنا لأطفالنا أن يكتسبوا القدرات اللازمة للتفكير السليم، يجدر بنا أن نعزز قدراتهم اللغوية، من خلال المطالعة والكتابة.

أتمنى أن تترسخ قيم القراءة في حياتنا، وأن نحرص على المطالعة، وعلى تشجيع أطفالنا عليها، وترسيخ دورها في حياتهم، كي نكون قادرين على صناعة المفكرين الواعدين.

إن كنتم بحاجة للمزيد من التشجيع والإلهام، يمكنكم أن تشاركوا في حوارات وجلسات وفعاليات مهرجان طيران الإمارات للآداب في دورته العاشرة، التي تقام في الفترة من 1-10 مارس في فندق إنتركونتيننتال، فستيفال سيتي دبي، وتستضيف أكثر من 180 كاتباً ومفكراً ومبدعاً ومحاضراً شهيراً من جميع أنحاء العالم.

يوفر لكم المهرجان حوارات ثقافية وأدبية حية، حول باقة من الموضوعات الهامة، مع ترجمة فورية إلى العربية والإنجليزية، كيلا تغدو اللغة حاجزاً يحول بينكم وبين التعبير عما يدور في أخلادكم.

أدعوكم للانضمام لأكبر تظاهرة ثقافية أدبية في العالم العربي، تحتفي بالكلمة بكل تشكلاتها!

 

 

Email