حل الدولة بين الصعب والمستحيل

ت + ت - الحجم الطبيعي

لا تثريب على أي مجتهد يبحث عن بديل ينتشل التسوية الفلسطينية من حالة التأزم التي تمر بها، لكن جنوح بعض الاجتهادات والمجتهدين إلى تداول خيارات شبه خيالية، مثل حل الدولة الواحدة للشعبين اللدودين، الإسرائيلي المعتدي، والفلسطيني المعتدى عليه، أمر يوجع الذهن وربما كان موضعاً للنقد أو حتى للوم والمعاتبة.

العقبة الكؤود في وجه تنفيذ نموذج الدولة الواحدة في فلسطين التاريخية، سواء أخذ شكل الثنائية القومية أو الدولة الاتحادية أو دولة كل مواطنيها، أنه ينطلق من نقطة الاعتراف المتبادل ونبذ التعالي والإحساس بالفوقية من قوم على قوم أو من إنسان على إنسان أو من عقيدة على عقيدة، وتنحية المشروعات الكيانية الخاصة بالمشاركين لصالح الكيانية المشتركة العتيدة. وهذه ونحوها مثل إنسانية وخصائص ديمقراطية، بعيدة تماماً عن العقل الصهيوني الإسرائيلي بشقيه النظري والتطبيقي.

كان حل الدولة الديمقراطية الواحدة، أول الحلول التي طرحها الفلسطينيون لتحديد مصير وطنهم، وفقاً للمعطيات السكانية القائمة فيه. حدث هذا قبل تسعين عاماً؛ وقت أن كان الصهاينة يتلمسون الطريق إلى تطبيق مشروعهم الاستيطاني، تحت رعاية الانتداب البريطاني، ثم إن الحركة الوطنية الفلسطينية أعادت هذا العرض، حين كان الصدام الصهيوني- العربي في أوجه قبل خمسين عاماً.

وفى المرتين لم يلق هذا الحل أي تجاوب صهيوني لذات السبب، وهو السعي إلى الإفلات بجريمة السيطرة على فلسطين، خالصة تماماً من كل أثر لشراكة فلسطينية متساوية، لا سيما أن عبرت هذه الشراكة عن ذاتها في هوية سياسية بأبعاد ومضامين دولية.

حل الدولة الواحدة يقوم على أرضية من التوافق والتوفيق، بين أصحاب خلفيات تاريخية ومصالح مادية وعقائد فكرية وثقافية ونوازع سياسية، يمكن إيجاد خطوط للتلاقي والتقاطع في ما بينها. قناعة الفلسطينيين بذلك هي التي ساقتهم، لغير مرة، إلى طرح مفهوم الدولة الواحدة بين طوائف الوطن الواحد من مسلمين ومسيحيين ويهود.

وكان شرط الشارط هو استبعاد الفكرة الصهيونية والسياسات المرتبطة بتطبيقها وأبرزها تصريح بلفور والهجرة اليهودية، غير أن محاولة الاستئثار الصهيوني بهذا الوطن لليهود، وحدهم، تحت ذرائع دينية ودنيوية، هي التي كانت ولا تزال العائق الجوهري في إفشال هذا الهدف.

أحد أهم الشروط المطلوبة لمنح هذا الحل فرصة النجاح راهناً، يتعلق بتخلي إسرائيل عن قانون العودة الصهيوني؛ الذي يسمح لأي يهودي باكتساب الجنسية الإسرائيلية فور وصوله «أرض الميعاد».

وهذا فرض يبدو مستحيل التحقق، كونه يلغى في حال وقوعه الركيزة الأساسية للفكرة الصهيونية، معلناً إغلاق أبواب فلسطين التاريخية على من فيها من اليهود دون غيرهم. الصهاينة المؤسسون رفضوا هذا التصور، وقد انتصبت لهم دولة وسيطروا بالاغتصاب والاحتلال على فلسطين؟!

كيف لهؤلاء أن يتخلوا طواعية عما يعتبرونه مكتسبات لهم؟ ولمن؟ للفلسطينيين؛ الذين يعيشون في وضعية من الضيق و«الزنقة» السياسية والاقتصادية، بين انقسام داخلي موجع، وبين محيط دولي فاتر يكاد يسقطهم من حساباته؟!

علاوة على هذه المعالجة المغرورة، تذهب معظم النخب السياسية والفكرية الصهيونية إلى أن «الدولة الواحدة» ليست سوى فخ ؛ يقصد به الفلسطينيون إغراق القوام السكاني اليهودي فيها بأغلبية بشرية، سوف تتوفر لهم في أجل أو آخر، بسبب تفوقهم الطبيعي في صراع الأرحام والمواليد. ويزداد تأثير هذا الهاجس، بفعل توكيد بعض الفلسطينيين والعرب عليه، واستخدامه كونه فزاعة وصولاً إلى تسميته بالقنبلة الديموغرافية.

هل يعنى ذلك أن المعنيين بالتسوية الفلسطينية يراوحون اليوم حيارى بين حل الدولتين الصعب، وبين حل الدولة الواحدة شبه المستحيل، وبين استمرار الأمر الواقع الأكثر استحالة ؟ ربما كان الأمر كذلك بالفعل.

 

 

Email