الظهير القيمي لاتحاد الإمارات العربية

ت + ت - الحجم الطبيعي

مشهد طالما استوقفني كثيرا وجال بخاطري، سؤال مستمر أبحث له عن إجابة أو تحليل للدوافع التي كانت دافعة لهذا المشهد، والذي استمر منذ تأسيس دولة الاتحاد ولا يزال، وهو أن المؤسس الشيخ زايد رحمه الله، ومنذ اليوم الأول على تأسيس الدولة، وجه بأن ترافق البنيان الحضاري لها منظومة قيمية، فلم تخل سانحة للقائه مع أبناء شعبه إلا وتجده يؤسس لمنظومة قيمية متعددة الملامح غنية في مختلف المجالات وصنوف الحياة، لم يركن فيها إلى النظريات المعقدة أو الفكر الفلسفي الموغل في التعقيد رغم عمق الطرح.

ولم يذهب فيها إلى المصطلحات المربكة رغم جزالة اللفظ، لكنه كان لها منظرا، وكرس الكثير من مقابلاته ولقاءاته شارحا لها، وفي كل موضوع يتطرق إليه تجده يبهرك بطرحه وبعمق رؤيته، وكيف أنه يصل إلى كشف العقدة من أقصر الطرق لتلامس كلماته شغاف القلب، ولأنها خرجت من القلب وصلت إلى القلوب.

فضلا عن انفعاله - رحمه الله - بها وحيويته في طريقة التواصل مع من حوله، لتدرك ملمحا جديدا في فلسفة بناء المجتمعات والقادة، الذين يحملون هذه المهام الجسام وفي القلب منها مهمة التأسيس والبناء، وخاصة عندما يكون الاتحاد تأسس على قوة الفكرة وليس فكرة القوة، هنا تصبح الفكرة دائما هي السلاح، وقدرتها تأتي من سحر منطقها ومن قوة حاملها والدافع لها، الذي يعمل على نشرها بين الناس كمن يحمل بشريات الخير.

ولأن اتحاد الإمارات العربية قام على أساس منطق الفكرة والاقتناع بها والعمل عليها والدفاع عنها كانت الفكرة دوما هي الحاملة لحركته، ولا شك أن هذا المنحى في البناء هو الذي حفظ له هذا التفرد، وأعطى وستظل له الحياة التي تتجذر في القلوب والعقول يوما بعد يوما.

إن تاريخ الأمم يؤكد أن لنهضة الأمم أساسان راسخان، أحدهما مادي ويتمثل في قدراتها الاقتصادية وإمكاناتها المادية، فضلا عن ذلك فإن الجناح الآخر هو القيم التي يستند إليها أو الفكر الجامع، فالأفكار المثلى دون بنيان متين وحركة دائبة للعمل وامتلاك إرادة الفعل تظل نظرية مثلى، نسعد بقراءتها ونستمتع بها على صفحات الكتب، كما إن البناء والحركة دون فكر حاكم له حامٍ لحدوده ورؤية استشرافية لمراحله لا يمكن أن تضمن له أن يستمر.

غير أن عبقرية الاتحاد جاءت من وعي جيل المؤسسين بتلك المعادلة المهمة، وهذا التوازن الحتمي من التأسيس لمنظومة قيمية مع التأسيس لدولة الاتحاد، بل أستطيع أن أذهب إلى أبعد من ذلك للقول إن الشيخ زايد - رحمه الله - أسس لمنهج في القيادة صار طريقا فريدا له وتفرد به وسار عليه خلف عن سلف، وهو القيادة «بالحب»، فعندما شعر الشعب بحب قائدهم نذروا أنفسهم لخدمة وطنهم والدفاع عن حياضه بالدم والروح.

أعود فأقول إن تأسيس الاتحاد سار على دربين متوازيين، بناء وطن قوي تحفظه قيم ثابتة، وكانت القيمة الأساس والفلسفة الرئيسة قيمة الاتحاد، التي قال عنها المؤسس «الاتحاد ما قام إلا تجسيداً عملياً لرغبات وأماني وتطلعات شعب الإمارات الواحد في بناء مجتمع حر كريم يتمتع بالمنعة والعزة، وبناء مستقبل مشرق وضاح ترفرف فوقه راية العدالة والحق، وليكون رائداً ونواة لوحدة عربية شاملة».

«إن الجيل الجديد يجب أن يعرف كم قاسى الجيل الذي سبقه، لأن ذلك يزيده صلابة وصبراً وجهاداً لمواصلة المسيرة التي بدأها الآباء والأجداد، وهي المسيرة التي جسدت في النهاية الأماني القومية بعد فترة طويلة من المعاناة ضد التجزئة والتخلف والحرمان».

والمتأمل في فكر المؤسس يدرك أن الاتحاد جاء ترجمة لرغبات شعب، كما أنه أوضح نتائجه كأنه يراها مستقبلا مشرقا ينعم فيه أبناؤه بالكرامة والعزة، وهو الأمر الذي جعل أبناء الوطن يتمسكون باتحادهم، لأنهم وجدوا ذلك واقعا معاشا لمسوا آثاره في حياتهم يوما بعد يوما.

كما تجد النظرة الشاملة والتي ترى اتحاد الإمارات أساسا لوحدة عربية شاملة، وهو الأمر الذي جعل الإمارات قيادة وشعبا على مدار التاريخ تنأى بنفسها عن المصالح القطرية الضيقة، ولكن تجد أن عزها ومناعتها من عزة ومنعة أمتها العربية.

ثم تجد القيمة الأساس للحفاظ على الاتحاد والبناء هي قيمة العمل كما قال المؤسس - رحمه الله - «إن الثروة الحقيقية هي العمل الجاد المخلص الذي يفيد الإنسان ومجتمعه، وأن العمل هو الخالد والباقي، وهو الأساس في قيمة الإنسان والدول، وإن الله منحنا العقل والصحة، ويجب أن نحسن استغلالهما ليرضى الله عنا ويبارك أعمالنا، وأن الوطن ينتظر منا الكثير، والشعب يتطلع إلى أعمالنا، ونحن جميعاً شركاء في المسؤولية».

إن البنيان القوي لاتحاد الإمارات لم تبنه قوة مادية فحسب بل كان الأساس القيمي هو السابق والحافظ له.

 

 

Email