الإمارات عاصمة المبادرات

ت + ت - الحجم الطبيعي

حين تكون الجعبة ممتلئة، وحين يكون الفعل كبيراً، تظل تروح إليه وتغدو، تنهل من خزائنه، لا من باب التباهي، رغم أنه في هذه الحالة حق ومطلوب، ولكن من باب الاعتزاز بما تم والعمل على أن يستمر، في الوقت الذي يمكن من خلال هذه الحالة من التمحيص تقديم نموذج قيم للغير يمكن أن يقتدوا به، وطريق يمكن أن يسلكوه، في الوقت الذي تبحث فيه عن الجديد الذي يمكن أن تقدمه، تسعد به وتفيد غيرك في وقت معا.

ولا شك أن سجل المبادرات التي قامت بها الإمارات قيادة وشعبا خلال العام المنصرم، أكبر من أن تحصى، ولكن في تناول بعض منها يمكن أن يشير إلى طبيعة الطريق الذي نسير فيه والآمال المعقودة على وطننا المعطاء، غير أني ابتداء أود أن أتوقف بعضا من الوقت لأضع تساؤلاً حول مفهوم المبادرة؛ والتي تعني فكرة يتم طرحها لمعالجة موقف ما، وهي في تقديري عمل استباقي، لمواجهة مشكلات قد تنجم خلال فترة وتحاول الحد من تداعياتها، أو معالجة معضلات راهنة، غير أنه في كل الأحوال للمبادرات دلالات لا بد من قراءتها والوقوف عندها.

منها أن القيادة السياسية للدولة قد غرست وكرست ثقافة المبادرات في أبناء الوطن حتى باتت جزءاً من الأساليب المتبعة في التفكير على كافة الأصعدة، فضلا عن ذلك أن النجاح الكبير للمبادرات التي طرحتها القيادة السياسية للدولة هو دلالة على أنها لبت حاجة مجتمعية ملحة، فضلا عن وعي المواطن بقيمتها وأهميتها ودورها في التعامل مع الكثير من التحديات القائمة.

وإذا نظرنا إلى سجل العام الماضي قليلا نجد أنه كان حافلاً بالعديد من المبادرات المؤثرة والتي يصعب حصرها، ولكي نأخذ نماذج دالة على المستوى الوطني تأتي مبادرة محمد بن راشد للتعلم الذكي، والتي تشمل جميع مدارس الدولة، بكلفة مليار درهم، وتهدف إلى خلق بيئة تعليمية جديدة في المدارس، تضم صفوفا ذكية في جميع المراحل، وهي من المبادرات التي تلبى تحديا حضاريا لا يمكن إغفاله.

وإطلاق مشروع مدينة المريخ العلمية، والتي ستتخذ من حديقة مشرف مقرا لها، لتشكل بذلك أكبر مدينة فضائية يتم بناؤها على الأرض. ولأن الإمارات تعتز بهويتها العربية جاءت جائزة محمد بن راشد للغة العربية بمثابة أرفع تقديرٍ لجهود العاملين في اللغة العربية، أفراداً ومؤسسات، للنهوض باللغة العربية ونشرها، واستخدامها في الحياة العامة، وتسهيل تعلمها وتعليمها.

وعلى المستوى العربي يأتي مشروع محمد بن راشد للتعليم الإلكتروني العربي الذي يضم «تحدي الترجمة» كأكبر تحدٍّ من نوعه في العالم العربي، يسعى إلى ترجمة 5000 فيديو، بواقع أكثر من 11 مليون كلمة خلال عام واحد في مختلف مواد العلوم والرياضيات، ومشروع تحدي القراءة الذي يهدف إلى تشجيع القراءة لدى الطلاب في العالم العربي، عبر التزام أكثر من مليون طالب بالمشاركة بقراءة خمسين مليون كتاب خلال كل عام دراسي.

ثم مشروع مليون مبرمج عربي والذي يسعى إلى تدريب مليون شاب عربي على البرمجة وتقنياتها ومواكبة التطور المتسارع في علوم الحاسوب وبرمجياته، فضلا عن المبادرات التي تصدت لمكافحة الفقر في العالم.

حيث يوجد أكثر من مليار شخص يعيشون في فقر مدقع بأقل من دولار واحد في اليوم، في الوقت الذي يكافح فيه أكثر من 2.7 مليار شخص من أجل البقاء على قيد الحياة، بدخل قدره أقل من دولارين في اليوم الواحد، ناهيك عن 750 مليون شخص في جميع أنحاء العالم لا يستطيعون الحصول على المياه الصالحة للشرب أصلاً.

ولا شك أن الأمثلة أكثر من أن تعد، غير أنها كاشفة إلى أن المبادرات أصبحت سياسة للدولة، ولا يتم التعامل بها باعتبارها ردة للفعل بل باتت هي الفعل ذاته، كما إنها لم تعد تثور في فترات زمنية محددة ثم تخمد جذوتها حتى تظهر حاجة ملحة أخرى تتطلب التحرك، ولكن بات الحفاظ على استمراريتها من أهم أهدافها، عبر وضع آليات محددة عبر مؤسسات قائمة، ولا شك أن التأثير والفارق الذي أحدثته ومازالت تلك المبادرات تؤكد عمق الرؤية والقدرة وإرادة الفعل.

وإذا كانت هذه المبادرات قد أضافت إلى قوة الإمارات الناعمة، والمتمثلة في المكانة التي تحظى بها في نفوس الشعوب من مختلف بقاع العالم، إلا أنها في الوقت ذاته تغرس في أبناء الوطن أهمية العطاء باعتباره قيمة إنسانية سامية.

فضلا عن قيمتها الأخلاقية وما تضفيه من بث روح التسامح على مستوى العالم، وأن الإحساس بالآخرين، سواء اتسعت الدائرة أم ضاقت، هي قيمة إنسانية كبرى، فضلا عن أنها تمهد الطريق أمام الأفراد والمؤسسات المجتمعية لأن يسلكوا الطريق ذاته، ولا شك أن حياة يشعر فيها الإنسان بغيره ويحنو عليه لجديرة بأن نسعد فيها، وبها دامت الإمارات عاصمة للمبادرات.

 

 

Email