العبادي ومواجهة قضية الفساد

ت + ت - الحجم الطبيعي

أثار رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي قضية الفساد كونه هدفاً رئيساً لمواجهته بعد الانتهاء من قضية داعش، وكأن هاتين القضيتين منفصلتان عن بعضهما بعضاً وهو طرح غير موضوعي.

وفي غير محله، فكل ما جرى في العراق وللعراق ومنه ظهور تنظيم داعش والنجاحات التي حققها هو بسبب الفساد. مهمة التصدي لهذه الآفة لن تكون سهلة وسالكة لو أريد لها أن تنجز بحق وحقيقة، فقد تعمقت جذورها وتعملق عرابوها وتراجعت قدرات التصدي لها مادياً وبشرياً.

لنرى ما بجعبة رئيس الوزراء لمواجهة هذه المهمة الكبيرة، لديه وثيقة وضعت من قبل خبراء في مجالات شتى أصدرتها هيئة النزاهة المستقلة ترسم استراتيجية التصدي للفساد للأعوام 2016 إلى 2020، الوثيقة على درجة كبيرة من الأهمية،.

تنفيذها لا يقتصر على تعقب من يقوم بعقد صفقات مشبوهة مع مقاولين محليين أو مع شركات أجنبية أو يقوم بسرقة النفط وتهريبه أو يمارس الابتزاز أو يعمل على تسهيل انتقال الأموال والسلع من قطاع الدولة إلى أفراد أو شركات في القطاع الخاص أو يغرق مؤسسات الدولة بعناصر غير مؤهلة للمواقع التي يشغلوها أو.....، تنفيذها يتطلب مواجهة قضية أكبر من كل ذلك وهي إصلاح العملية السياسية نفسها، فالفساد بالحجم الذي في العراق جوهره سياسي.

الفساد السياسي يختلف كثيراً في النظم الديمقراطية عنه في النظم الاستبدادية، ففي الأولى يتسم بطابع عرضي غير متجذر ولا يعتبر ظاهرة ويمكن التعامل معه في إطار النظام السياسي القائم بإصلاح وتعزيز وتنشيط المؤسسات السياسية القائمة وإعادة النظر بالضوابط والموازين، أما في النظم الاستبدادية فالأمر مختلف لأنه عبر الفساد يتمكن الحاكم المستبد من الاحتفاظ بسلطاته.

إلا أن نظماً بنيت على أسس ديمقراطية خاطئة ومارست نخبها السياسية لعبة تبادل المصالح والتوافق على المنافع غير محصنة ضد الفساد كما هو الحال في العراق.

الفساد السياسي أكثر من مجرد انحراف عن القواعد القانونية الرسمية والتخلي عن القيم والسلوكيات الأخلاقية للمهنة أو الالتفاف عليها، فعندما يساء استخدام القوانين والأنظمة بصورة منتظمة بشكل أو بآخر من جانب الحكام أو استخدام أجهزة الدولة بتكييفها لتلائم مصالحهم تتراجع دور الدولة على حماية مصالح الأفراد وتضمحل قدرات مؤسساتها.

يصبح الفساد سياسياً عندما يتحول السياسيون وموظفو الدولة الكبار في مواقع تشريع القوانين وصياغة القرارات ووضع سيناريوهات تنفيذها واختيار أجهزة التنفيذ إلى عناصر فاسدة تستخدم السلطات التي بحوزتها وتجيرها للحفاظ علي مراكزها ونفوذها وثرواتها.

في مواجهة ذلك قد تصبح الأطر القانونية الرسمية في الدولة، أي ما هو «شرعي»، غير كافية لتقييم حجم الفساد السياسي وجر المفسدين إلى ساحات القضاء، لذلك يتعين الأخذ بالمعايير الأخلاقية واللجوء إلى ما يمكن وضعه في أطر ما هو «مشروع» في مواجهة ذلك، وهو الإجماع في أوساط الشعب حول ذلك.

القضاء على الفساد في العراق أو التصدي له بحرفية وجدية يتطلب رؤية شاملة لكل أبعاده محلياً وإقليمياً ودولياً في إطار رؤية أوسع لمجمل العملية السياسية، فالرؤية المنقوصة، التي قد تفرض نفسها حلاً توفيقياً في ضوء التوازنات السياسية القائمة لن تكون في نهاية المطاف ناجعة لمقاربة قضية كبيرة بحجم الفساد بالعراق.

العبادي ليس بحاجة لقراءة التقارير السنوية لمنظمة الشفافية الدولية، التي تصنف العراق ضمن الدول العشرة الأكثر فساداً في العالم، فهو أكثر اطلاعاً على حجم الفساد وعلى طبيعته وحيتانه وإمبراطورياته المالية التي تعبث بمصالح العراق وعلى حجم الثروات، التي أهدرت وفرص التقدم التي أضيعت بحكم كونه عنصراً فاعلاً في العملية السياسية على مدى الخمس عشرة سنة المنصرمة ورئيساً للوزراء خلال السنوات الأربع الأخيرة.

العبادي على وعي تام بحجم الإعاقات التي سيواجهها، فهناك حضور قوي وفاعل في معظم مفاصل الدولة لقوى تتربص بمن يسعى للنيل من سطوتها، وقد لا تتردد في اللجوء إلى أية وسيلة لحماية نفسها. تصديه للفساد بعزم وجدية يتطلب منه التحلي بالشجاعة مستغلاً المقبولية، التي بدأ يحصل عليها في الأوساط المعتدلة من الشعب العراقي على الرغم من المآخذ العديدة على إدارته، التي تلكأت كثيراً في تنفيذ الإصلاحات.

 

Email