زيارة لبيتنا المحتل

ت + ت - الحجم الطبيعي

بعد حرب 1967 واحتلال إسرائيل الضفة الغربية والجولان ومزارع شبعا اللبنانية وسيناء، أصبح بإمكان اللاجئين الفلسطينيين «زيارة» مدنهم وقراهم التي هُجّروا منها العام 1948. نقول «زيارة» لا «عودة»، تلك الكلمة التي تتجذر في الوجدان الفلسطيني رغم العلو الذي تعلوه إسرائيل حالياً على الرافعة الأميركية. فقد أصبحت القدس «عاصمتها» وفق قرار ترامب، وغداً تصبح الضفة والمستوطنات جزءاً من «إسرائيل»، وبعد غد تعلن «دولة يهودية»، وكله تحت مظلة إدارة العزيز ترامب.

هؤلاء «الزوار» كانوا يذهبون بوجوه تتدفق شوقاً لرؤية «بيوتهم» أو ما تبقى منه، أو حتى مكانها الذي أقيمت علية أبراج أو معسكرات أو مؤسسات، ويعودون بوجوه مصفرّة، مكسورين خائبين. ويظلون يتحدثون شهوراً عن الذكريات التي دفنت تحت البيوت الميتة.

عندما وصلنا القرية، لم نجد فيها إلا عدة بيوت بقيت على حالها مع ترميم طفيف قام به «السكان الجدد». بعض أشجار الكينا والسرو والجميز التي كنا نلعب تحتها وننصب على أغصانها مراجيح خشبية، لم تزل تكبر، وبعضها يغير أوراقه كل خريف ربما انتظاراً لنا فيما نحن مر علينا سبعون خريفا، لكن حلم العودة لم يذبل ولا نحن ذبلنا.

يضيف جارنا الذي زار قريته: طرقنا الباب. فتحت لنا امرأة عراقية وبلهجتها البغدادية قالت بعد أن أبلغها إحساسها من نحن، تفضلوا عيني، ادري انتو اصحاب هذا البيت، تفضلوا تفضلوا. جلسنا، لوهلة أحسسنا أن الزمن عاد إلى الوراء، وأننا لم نغادر بيتنا. فاجأتنا المرأة قائلة: يا ريت ما جينا وظلينا في بغداد، آني اشتاق حيل لبيتنا وللنخل ولدجلة ولجيراننا، كنا بألف خير وإخوان. كادت المرأة تدمع، قامت ووضعت أغاني لناظم الغزالي وأغنية لخضير أبو عزيز يقول فيها: عمي يا بياع الورد... كٌلي الورد بيش.

قدمت لنا المرأة الشاي العراقي وبعد ساعتين، انتهت الزيارة واختلط الأمر علينا نحن والمرأة العراقية، أي منا يغادر البيت، نحن أم هي ؟!

كثيرون من اليهود يدركون أن «إسرائيل» كذبة صهيونية انطلت عليهم وعلى العالم. فالمتطرفون الذين يحكمون يمارسون أبشع أنواع العنصرية ليس ضد الفلسطينيين الذين يسمونهم «عرب إسرائيل» ولا لأهل غزة والضفة الغربية المحتلة 1967 بل ضد اليهود الشرقيين «السفرديم» لصالح اليهود الغربيين «الاشكناز». ولم يستطيعوا أن يمارسوا الديمقراطية التي يدعونها إلا بما تتفق عليه الدكتاتورية اليهودية للحركة الصهيونية.

ففيما وصف ميزان «هجرة سلبي» ولأول مرة منذ عام 2009، داخل إسرائيل فاق عدد الذين تركوا «البلاد» أعداد من هاجروا إليها. ووفق معطيات صادرة عن الدائرة المركزية للإحصاء «الإسرائيلي ففي العام 2015 انتقل إلى الخارج نحو 16.7 ألف»إسرائيلي«، غالبيتهم عائلات، في حين هاجر إلى»إسرائيل«8500»إسرائيلي«فقط بعد فترة تزيد على عام خارج فلسطين المحتلة. وبحسب معطيات الدائرة المركزية الإسرائيلية للإحصاء، فإنه منذ العام 1948 وحتى نهاية العام 2015، ترك فلسطين المحتلة 720 ألف يهودي، ولم يعودوا إليها.

أما القدس «العاصمة الأبدية!!» فإن الأسماء الكثيرة التي أطلقت عليها تدل على عمق تاريخها، وقد أطلقت عليها الشعوب والأمم التي استوطنتها أسماء مختلفة، فالكنعانيون الذين هاجروا إليها من شبه الجزيرة العربية في الألف الثالثة قبل الميلاد أسموها»أورشاليم«وتعني مدينة السلام أو مدينة الإله ساليم واشتقت من هذه التسمية كلمة»أورشليم«التي تنطق بالعبرية»يروشاليم«ومعناها البيت المقدس، وهو ما يدحض المنطق الصهيوني القائل إن أورشليم كلمة»عبرانية».

فقد توصل المؤرخ اليهودي العراقي الدكتور أحمد سوسة في كتابه (العرب واليهود في التاريخ) إلى حقيقة مذهلة وصادمة بحكم يهوديته وبحكم أنه عالم آثار، توصل إلى أن أصل اللغة العبرية هي لغة كنعانية عربية وإن ما يتكلم به الإسرائيليون هي لغة عربية كنعانية الأصل، وأن التشابه بالألفاظ والمصطلحات وبمخارج الحروف يثبت أن الكنعانية هي أصل العبرية، وأن الصهيونية العالمية ابتكرت مع بداية القرن العشرين ما يسمى باللغة العبرية عبر أكبر عملية تزوير للثقافة وللمكان واللغة.

المشروع الصهيوني متجه إلى نهايته، فالسلاح وحده لا يحمي دولة، والتوسّع لا يفتح الأفق للسلام.

* كاتب أردني

Email