بيئة العمل الألمانية والإنجليزية

ت + ت - الحجم الطبيعي

ربما نراهم أمة أوروبية واحدة لكنهم في الواقع عبارة عن شعوب وأعراق والأهم كتلة من السلوكيات المختلفة. فالألمان صحيح أنهم صاروا بعد الحروب العالمية الطاحنة بعيدين عن النزاعات السياسية الجادة، وأكثر انشغالاً بأنفسهم وبإبداعاتهم، لكنهم في الواقع مازالوا في غاية الجدية حينما تعمل معهم. هذا على الأقل ما تقوله الدراسات منها دراسة في جامعة هامبورغ توصلت فيها البروفيسورة جولياني هاوس إلى أن الألمان جديون لا يميلون للمحادثات القصيرة ذات طابع المجاملات مع الغرباء مثل ما اعتاد عليه الإنجليز كالتعليق على حالة الطقس التي يعتبرها مؤلف كتاب «واتشينغ إنجليش» بأنها «دردشة آمنة» مع الغرباء أو مثل سؤالهم عن مدى سعادة المرء وعافيته بشكل عام. فشريحة من الألمان يعتبرون ذلك نوعاً من التكلف غير المستساغ خصوصاً عندما يتعلق الأمر بالتعبير عن سعادتك برؤية زميل ما أو بتمني رؤيته مستقبلاً، وأنت في الواقع لا تتمنى ذلك! فمن الألمان من يعتبر هذا نوعاً من الخداع الذي يتحاشونه.

وهذا يشير إلى وجود اختلافات في التواصل فحينما حاول المترجمون ترجمة حوار من هذا النوع في الفيلم الإنجليزي الكرتوني الجميل «بادينغتون» اضطر المترجم إلى تجاهل عبارة المجاملات القصيرة جداً في أحد المقاطع لغياب مثيلها في اللغة الألمانية. وهذا لا يعني أن الإنجليز أكثر أدباً لكنهم مختلفون عن الألمان المباشرين بطبيعتهم، وإن كانت هذه المباشرة في اللقاءات الاجتماعية تولد نوعاً من سوء التفاهم كما يسميها أستاذ اللغويات في جامعة سنترال لانشاير والمحرر الرفيع في دورية أبحاث الكياسة والأدب بحسب تقرير للبي بي سي. ويذكر التقرير نفسه أنه بعدما اشترى الإنجليز شركة السيارات الألمانية العريقة بي ام دبليو استغرقت الأجواء الجدية (الألمانية) وقتاً طويلاً حتى زالت.

وربما خيمت هذه الأجواء الجدية على حياة الألمان من عوامل تاريخية أو من طبيعة بيئات العمل والدراسة. فالألمان يعملون بمتوسط ساعات عمل أسبوعية لا يزيد على 35 ساعة وهو أقل من الإنجليز، بحسب موقع أرقام، لكنها تكاد تخلو من الملهيات كالدردشات الجانبية والانشغال بالإنترنت وغيرها وهي ليست محرمة بل غير مستساغة اجتماعية لأن طبيعة الأجواء الجدية تحتم الانتهاء من العمل على أكمل وجه قبل الانصراف. وربما هذا ما تعزز أيضاً في المدارس التي ينتهي دوامها في وقت الغداء الظهيرة تقريباً بغية منح الأطفال مزيداً من الوقت لتمضيته مع عائلاتهم، وهذا يضيف عبئاً أكبر في جدول دراسي مضغوط وجاد.

هذه الاختلافات بين الشعوب لا تعني أن فئة أفضل من أخرى بل هم فقط مختلفون كما يقول علماء اللغويات. والاختلاف صحي ويثري، فحينما ترى إنجليزياً يمارس ما يسمى «اتيكيت المحاكاة» في إطالة لقاء اجتماعي عابر من باب اللياقة الأدبية، فيما يمارس الألماني مباشرته، لا تفضل أحدهم على الآخر لأن الألماني ربما يؤمن أن أقصر مسافة بين شخصين هي الخط المستقيم أو الدخول في صلب الموضوع، وهذه السلوكيات التي قد لا يحبذها البعض لم تمنع الألمان من بناء أكبر اقتصاد في أوروبا وربما الثاني في العالم، فصار الألماني أو «الماكينة الألمانية» مضرباً للمثل في شتى أرجاء المعمورة.

كاتب كويتي

Email