قلق دولي من قانون الضرائب الأميركي

ت + ت - الحجم الطبيعي

لعل ما جرى دولياً بخصوص قانون الضرائب الأميركي هو المرة الأولى، على الأقل في حدود علمي، التي تسعى فيها دول وكيانات دولية إلى إثناء دولة كبرى عن إصدار قانون يتعلق بالسياسة الداخلية بل بفرض الضرائب على أراضيها.

فعشية التصويت في الكونغرس الأميركي على مشروع قانون الضرائب الجديد الذي تمت الموافقة عليه الأسبوع الماضي، قام وزراء المالية في أكبر خمسة اقتصادات بالاتحاد الأوروبي بإرسال خطاب لنظيرهم الأميركي ستيفن منوشن يعبرون فيه عن قلقهم إزاء مشروع قانون الضرائب.

فبينما مشروع القانون كان لا يزال معروضاً على مجلسي النواب والشيوخ، كتب وزراء مالية ألمانيا وفرنسا والمملكة المتحدة وأسبانيا وإيطاليا خطاباً لمنوشن، أرسلوا نسخة منه إلى قيادات الحزب الجمهوري، حزب الرئيس، في المجلسين.

والخطاب، كما قالت الصحافة الأوروبية، أشار إلى أن مشروع القانون في نسختيه على مجلسي النواب والشيوخ مثل «انحرافاً عن القواعد الدولية التي تضمن العدالة الضريبية» ويعتبر شكلاً من أشكال «الحرب التجارية». وقد أكد الخطاب أنه ينبغي للولايات المتحدة «بصفتها أهم شريك تجاري لأوروبا أن تلتزم وهي تكتب قوانينها الداخلية بالتزاماتها التي قطعتها على نفسها دولياً».

وكان واضحاً من فحوى الخطاب أن الأوروبيين يشعرون بالقلق من أن الجمهوريين، حزب الرئيس، في سعيهم لتحقيق نصر داخلي يساعدهم على الانتخابات التشريعية في نوفمبر المقبل، يتخذون مواقف تتعارض مع التزامات أميركا وفق معاهدات واتفاقات أبرمتها دولياً، ومنها على سبيل المثال، منع الازدواج الضريبي، بمعنى الامتناع عن فرض الضريبة عن الشيء نفسه وعلى الكيان نفسه مرتين.

وكان من بين أهم ما اعترضت عليه الدول الخمس نص في مشروع القانون يفرض ضريبة تصل إلى 20% حين تقوم شركة أميركية كبرى بشراء خدمات أو سلع من فرع أجنبي لها أو من شركة أجنبية إلا إذا كانت تلك الشركة الأجنبية مستعدة لاعتبار المقابل الذي تحصل عليه دخلاً على الأرض الأميركية.

وتقول الدول الأوروبية إن ذلك البند يتعارض مع قواعد منظمة التجارة العالمية لأنه يفرض الضريبة على السلع والخدمات الأجنبية من دون نظيرتها المحلية، ويمثل ضريبة مزدوجة حيث تدفع تلك الشركة الأجنبية ضريبة على تلك السلع والخدمات في بلدها الأصلي ثم تدفعها لدى بيعها للشركة الأميركية.

وقد تزامن إرسال الخطاب الأوروبي مع القلق لدى الحلفاء الأوروبيين عشية الأزمة التي وقعت في الاجتماع الوزاري لمنظمة التجارة العالمية في بوينس أيرس، والتي كان بطلها هو الممثل التجاري الأميركي الذي غادر قبل أن ينفض الاجتماع وبعد أن ألقى خطاب انتقد فيه المنظمة وكرر تهديدات بلاده بالانسحاب منها، متهماً الدول الأعضاء بأنها تسعى عبر اللجوء إلى القضاء للحصول على التنازلات التي لا تستطيع الحصول عليها من خلال التفاوض.

والولايات المتحدة تعرقل منذ فترة قدرة المنظمة على تعيين قضاة جدد في هيئة المنظمة التي تنظر في شكاوى الدول الأعضاء ضد بعضها البعض. والدول الأوروبية الخمس وجدت نفسها إزاء إصدار قانون أميركي يناهض مصالحها التجارية بالتزامن مع موقف أميركي قد يؤدي لشلل منظمة التجارة العالمية ويحرمهم من مقاضاة الولايات المتحدة وفق قوانينها.

ودول الاتحاد الأوروبي لم تكن وحدها التي عبرت عن قلقها من قانون الضرائب الذي وصفته إدارة ترامب بأنه الأشمل في تاريخ البلاد. فالأمم المتحدة هي الأخرى اعتبرت أن القانون سيجعل الولايات المتحدة من أهم أنصار «عدم المساواة» الاجتماعية في «أكثر صورها تطرفاً» في العالم.

فعشية مناقشة المشروع أصدرت الأمم المتحدة تقريراً عن الفقر في العالم، تضمن جزءاً مستفيضاً عن الولايات المتحدة تمت كتابته بعد زيارات مستفيضة على مدار أسابيع لولايات أميركية عدة.

وقد حذر فيليب ألستون، المسؤول عن تقرير الأمم المتحدة، من أن القانون من شأنه أن يزيد أعباء 41 مليون أميركي يعيشون تحت خط الفقر. وقد ذكر التقرير مثلاً أن الولايات المتحدة، القوة العظمى، تأتي في المرتبة 36 بين الدول من حيث توفير مياه الشرب النظيفة والصرف الصحي.

وفي حوار صحفي، قال ألستون ليس فقط أن هناك علاقة وثيقة بين الفقر والمسألة العرقية والإثنية في الولايات المتحدة وإنما أشار إلى أن الخطاب السياسي يستخدم التوتر العرقي والإثني لتمرير خفض المساعدات الموجهة للفقراء.

لكن لعل أهم ما قاله ألستون هو أن عامل ضعف الموارد كأهم معوقات مكافحة الفقر في العالم ليس وارداً في بلد ثري مثل الولايات المتحدة. فالمشكلة في أميركا هو ترتيب الأولويات والخيارات السياسية لا ضعف الموارد.

لكن من يعرف الولايات المتحدة يدرك جيداً أن المواقف الدولية لم تكن أبداً من العوامل التي بإمكانها تغيير الواقع الأميركي، إذ وحدهم الأميركيون هم القادرون على إحداث التغيير في بلادهم. المفارقة الكبرى، إذن، هي أن قانون الضرائب، الذي أثار قلق العالم، لم يحظ بأية شعبية بين الأميركيين قبل صدوره. ومع ذلك صدر بسرعة فائقة وبهامش أغلبية محدود للغاية.

 

 

Email