مصير إسرائيل

ت + ت - الحجم الطبيعي

ينظر العلم السياسي وعلم التاريخ إلى إسرائيل على أنها من بقايا الظواهر اللامعقولة المتبقية في التاريخ المعاصر للبشرية.

«إسرائيل» كيان استيطاني- استعماري، وهذا يعني أنها ثمرة من ثمرات المرحلة الاستعمارية في التاريخ الحديث، ومن دون ردها إلى المرحلة الاستعمارية لا يمكن فهمها إطلاقاً، فعلاقتها بالاستعمار الأوروبي هي التي منحتها الوجود والاستمرار، وما زالت تمنحها أهم أسباب وجودها واستمراره، والحركة الصهيونية لو لم تضع ذاتها في خدمة الاستعمار البريطاني ـ الفرنسي للمنطقة لما نالت من الاستعمار ما ناله أي كيان قائم في فلسطين.

هذه الظاهرة الاستعمارية التي أسست كياناً يهودياً- صهيونياً قام على أساس طرد السكان الأصليين بالقوة والعنف، هي استراتيجية إجلائية على الدوام، أي إجلاء الفلسطيني عن أرضه بشتى السبل، ذلك أن العنصر الفلسطيني يظل المهدد الأكبر لاستمرار هذا الكيان الاستيطاني ـ الاستعماري.

ولأن وجوده غير ممكن إلا بامتلاكه قوة عسكرية قادرة بالاشتراك مع حماية خارجية لمواجهة خطر الاقتلاع، فإنه أسس وجوده على استراتيجية مفادها: أن «إسرائيل» يجب أن تمتلك من القوة ما يتفوق على قوة العرب مجتمعين، وعلى دعم خارجي يعزز قوتها العسكرية، ولكن «إسرائيل» ظلت وستظل مدينة لوجودها واستمرارها لعامل خارجي، انطلاقاً من ضعف قواها الداخلية لمواجهة نبذ المنطقة العربية لها، فهي بهذا المعنى وجود بغيره وليس بذاته، بل هي ليست وجود لذاته.

تراهن «إسرائيل» على ثلاثة عوامل يجب أن تستمر:

1 ـ نسيان الفلسطيني قضيته الوطنية مع مرور الزمن «أي أن عامل الزمن واحد من العوامل الكفيلة لبقاء هذا الكيان».

2 ـ ضعف الجانب العربي وبخاصة المحيط بفلسطين، وقبوله وجود «إسرائيل» واستمرارها في المنطقة.

3 ـ بقاء العامل الخارجي قوة استراتيجية مهمة أكثر أهمية من العوامل الداخلية لـ «إسرائيل».

هذه العوامل الثلاثة هي عوامل متغيرة، أما من حيث العامل الفلسطيني، فإن الفلسطيني قد كذب الوهم «الإسرائيلي»، فالأجيال الفلسطينية بدءاً من تلك التي عاشت النكبة إلى تلك التي ولدت في عالم اللجوء تخوض الآن صراعاً يبقي القضية الفلسطينية حاضرة في الوجدان. الفلسطيني اليوم، وهو النقيض الأكبر لوجود «إسرائيل»، فيما العرب، فبحاجة إلى قوى فاعلة الآن، والذي من شأن وجودها أن تنجز شكلاً ما من أشكال الدولة الأمة والتقدم وفق معيار الحرية الإنسانية. أمر كهذا قد يطول لكنهم ليسوا في ورطة وجودية.

عربياً، فإن الثقافة العربية، والشعور العربي المشترك، والرفض العربي لجسم غريب داخل فضائه الثقافي اللغوي وجغرافيته المتصلة كل ذلك لا يسمح لإسرائيل كدولة لا تنتمي إلى المنطقة بأن تتحول إلى وجود طبيعي فيها. إنه يقبل باليهودي ولكنه لا ولن يقبل بدولة يهودية.

والعامل الخارجي هو في النهاية عامل متغير وفق المصالح المتعينة لكل دولة من الدول.

«إسرائيل» اليوم في ورطة وجودية وليس في أزمة اقتصادية أو سياسية أو ثقافية أو أيديولوجية، وليس هناك من مخرج للورطة الوجودية إلا بالخروج منها والخروج منها يعني وجوداً من نمط آخر، والوجود من نمط آخر هو يهودي خارج دولة إسرائيلية في فلسطين وخارج العصبية الأيديولوجية الصهيونية.

هل يمكن أن يوصل الفلسطيني اليهودي المستعمر إلى مرحلة يطرح معها قيام دولة واحدة في فلسطين ثنائية القومية وديمقراطية؟ من حيث المنطق نعم. ولكن هذا يحتاج إلى زمن وكفاح يفرض على العدو تغيير نظرته إلى وجوده أولاً، كما يفرض عليه نوعاً من التعب وفقدان الأمل باستمراره على النحو الذي هو عليه، غير أن هذا الهدف إذا ما تحول إلى هدف فلسطيني وعربي فإنه قد يخلق مع الأيام ـ عبر الممارسة لتحقيقه بالقوة ـ واقعاً يصعب على المستعمر تجاهله. وهذا يعني: أن الفلسطيني والعربي هما القوة الوحيدة التي ستحدد مصير «إسرائيل».

 

 

 

Email