إطلالة على المشهد الانتخابي العراقي

ت + ت - الحجم الطبيعي

أعلن رئيس الوزراء العراقي، حيدر العبادي، في خطاب رسمي 9 ديسمبر الجاري، انتهاء الحرب على تنظيم داعش، إعلاناً له أكثر من مغزى في هذه الظروف، وقد أصبحت الانتخابات النيابية منتصف مايو المقبل على الأبواب، حيث تشهد العملية السياسية في العلن وخلف الكواليس، نشاطات محمومة لكيانات وأفراد تسعى إلى التمسك بما لديها من حضور ونفوذ، وأخرى تسعى إلى انتزاع البعض منه.

ثمة إشكالية تتعلق بهذه الانتخابات، فقرار إجرائها في موعدها، يطرح التساؤلات عن مدى استعداد المناطق والمحافظات التي كانت تحت احتلال «داعش» إجراءها، لأن أوضاعها الاستثنائية لا تزال قائمة، فقد بلغ عدد المهجرين منها ما يزيد على الخمسة ملايين شخص، لم يتمكن أكثر من نصفهم من العودة إليها، الانتخابات المقبلة هي الرابعة منذ التغيير في العراق عام 2003، كانت الثلاث التي سبقتها مخيبة لآمال الناخبين، إذ لم تفرز ما يحقق الحد الأدنى من الطموحات، إن لم يكن قد أتت بعكس ذلك، وقد تعددت التنظيرات حول ذلك، وتباينت الاتهامات حول من يتحمل المسؤولية، فهناك من اتهم النخب السياسية بتضليل الرأي العام، واستخدام أدوات غير ديمقراطية، وتوظيف المال السياسي، والتعكز على نفوذ بعض الدول الإقليمية، وهناك من وجّه السهام نحو المفوضية العليا للانتخابات، طاعناً بنزاهتها وحشد جمهوره للمطالبة بتغييرها.

تجري الانتخابات النيابية لعام 2018، في أجواء مختلفة عن سابقاتها، فمنطقة الشرق الأوسط تشهد تغيرات في التوازنات السياسية، مع نهاية الحرب على تنظيم داعش في كل من العراق وسوريا، هذه التغيرات، تتجه لصالح تحسن الأوضاع في العراق، واستقراره وخروجه من عزلته، وهو ما سوف ينعكس بشكل لا يمكن تجاهله على خارطة التحالفات الانتخابية، في ظل تعزز الاتجاه البراغماتي في الوسط السياسي العراقي.

أما على المستوى المحلي، فهناك متغيرات عديدة من المبكر التنبؤ بمآلاتها، فمما يقلق بعض الأوساط السياسية المتنفذة، فتح ملف الفساد الذي وضعه رئيس الوزراء العراقي على رأس أجندته في مرحلة ما بعد «داعش»، وتزايد الدعوات المحلية والإقليمية والدولية المطالبة بحل الحشد الشعبي، وتسليم سلاحه للدولة. وهو مما لا يرضي البعض من الساسة، فهذا «الحشد» يضم فصائل لها ولاءات مختلفة، يعتبر بعضها أذرعاً عسكرية لبعض القوى المتنافسة في الانتخابات، تعزز من وضعها وفرصها الانتخابية.

كما أن من الصعب كذلك التكهن بمستقبل الدور الذي يلعبه التحالف الكردستاني في العملية السياسية، فقد شهد الإقليم اختفاء ثلاثة رموز قيادية تتزعم قواه الرئيسة، الاتحاد الكردستاني والتغيير والديمقراطي الكردستاني، برحيل جلال الطالباني ونوشيروان مصطفى، وتنحي مسعود البارزاني عن رئاسة الإقليم. كما أن علاقات هذا التحالف مع بقية الكتل السياسية، قد تردت بشكل خطير، إثر إجراء الاستفتاء على استقلال الإقليم.

من المتوقع أن تستمر الاصطفافات العرقية والمذهبية، رغم تعمق التفكك في أوصالها، إذ لم تبرز خلال السنوات الأربع المنصرمة، ما يشير إلى تنامي التيار المدني الليبرالي العابر للعرقية والمذهبية، على الرغم من الفشل الذريع للأحزاب الدينية، في بناء دولة ترقى في مواصفاتها إلى ما يتفق مع روح العصر ونكهته.

فبالإضافة إلى الوجوه التقليدية التي ألفناها في الساحة السياسية على مدى الأعوام الماضية، برزت وجوه جديدة، لعبت دوراً قيادياً في مؤسسة الحشد الشعبي، الذي تشكل من المليشيات المسلحة، والذي سبق للمجلس النيابي أن شرع قانوناً خاصاً به، معلنين عن عزمهم الدخول في الانتخابات، بل لم يتردد بعض هذه القيادات بترشيح فصيله لاستلام رئاسة الوزارة، رافعاً شعار إلغاء مبدأ التوافقات السياسية المعمول به لصالح استئثار الأغلبية بالحكم.

فالحشد الشعبي الذي أصبح رقماً صعباً، وأضحى جزءاً من الصراع على السلطة بين القوى المؤتلفة في كتلة التحالف الوطني، لا يسمح له بهيئته المسلحة، بالاشتراك في الانتخابات، وفق ضوابط المفوضية العليا للانتخابات، كما لا يسمح للأحزاب الاستفادة من التسميات الثورية والعسكرية، لذلك، أعلن بعض قياداته التزامهم بقرار رئيس الوزراء، بتسليم الأسلحة للدولة، واستيعاب قواته في أجهزتها الأمنية.

* كاتب عراقي

Email