قياس «العقلية السلبية»

ت + ت - الحجم الطبيعي

مثل كل العلوم الإنسانية أصبح في مقدور العلماء أن يقيسوا بوضوح دقة ما نزعمه من حملنا لتفكير إيجابي بل والأهم التفكير السلبي الذي ينعتنا به الآخرون كلما ضاقوا ذرعاً بسوداوية المشهد الذي نرسمه لنثبط، من دون أن نشعر، من عزائم من حولنا.

أحد هذه المقاييس استخدمها باحثان في قسم علم النفس بجامعة الكويت وهما د. سعود الغانم ود. عبدالمطلب عبدالقادر، حيث أطلعاني على المسودة النهائية التي ستنشر قريباً في دورية محكمة. خلاصة الدراسة أنها حينما حاولت جلب مجموعتين الأولى من ذوي التفكير الإيجابي والثانية من ذوي التفكير السلبي كشفت أن هناك علاقة وثيقة بين من يفكر بإيجابية وبين عملية تذكرهم ونسيانهم وكفاءة ذاكرتهم. وأن الإيجابيين أكثر ميلاً للتحصيل العلمي، في أحد المقررات الدراسية، في دراسة أجريت على عينة من الشباب متوسط أعمارهم 23 عاماً.

وهذا يشير إلى أن الأجيال القادمة حينما تفكر بإيجابية ينعكس ذلك على تحصيلها الدراسي، ورؤيتها للحياة، مثلما أكدت عدد من الدراسات منها غوودهارت عام 1999. فحينما ينشأ الفتيان على التفكير الإيجابي هم في الواقع يمارسون الحفاظ على التوازن العقلي السليم والتعامل مع المشكلات من خلال التركيز على الجانب الإيجابي منها بدلاً من أن يصبوا جل تركيزهم على الناحية السلبية بحسب الباحث بيفر في دراسته عام 2002.

ما يهمني في قضية التفكير السلبي والإيجابي أن معايير قياسها تم التحقق من دقتها إحصائياً وأنها قابلة للتطبيق في شتى بقاع المعمورة لأنها تعطي نتائج متسقة إحصائياً وهو بعد مهم يمكن الوثوق به. بمعنى آخر حينما تنتشر في المؤسسات الروح السلبية فستكون فكرة جيدة لو استقطبت عدداً من الباحثين لدراسة تلك الظاهرة والتحقق من وجودها، وربطها مثلاً بمعايير أو متغيرات مهمة مثل مدى تأثير ذلك على الإنتاجية أو الرضا أو الأداء الوظيفي أو السعادة لكي يعرف كل شخص كيف يفكر أو بالأحرى خطورة سيطرة تفكيره السلبي الذي لا يتناسب مع التوجهات الحديثة، التي دعت إليها منظمة الأمم المتحدة، في بث الروح الإيجابية في المجتمعات.

ولا مانع أن تطبق المدارس العامة مناهج مبسطة أو ألعاباً ترفيهية وإبداعية تعليمية تغرس من خلالها قيماً نبيلة تشير إلى مآلات التفكير السلبي ورحابة الإيجابي، بعيداً عن الأسلوب التقليدي الوعظي: افعل ولا تفعل.

تكمن أهمية قياس مدى «عقليتنا السلبية» من أننا نعيش في أكثر المناطق اضطراباً في العالم، الأمر الذي يحتاج إلى بث روح تواقة لحياة ممتعة ومليئة بالإيجابية لمنافسة الآخرين في مضمار الحياة.

Email