عقيدة المواطنة

ت + ت - الحجم الطبيعي

تواجه بريطانيا الآن معضلة حقيقية فهناك عدد كبير ممن كانوا منتمين لتنظيم «داعش» سيعودون إلى بريطانيا، والحكومة البريطانية تدرس فيما إذا كان هؤلاء مواطنين بريطانيين أم لا، فالمواطن البريطاني يجب أن ينتمي لهذا الوطن بصرف النظر عن ديانته أو توجهه الفكري، وبما أن هؤلاء العائدون خرجوا من عقيدة المواطنة البريطانية وانتموا لحزب أو تنظيم رأوا في مصلحته مصلحة أكبر من مصلحة وطنهم «بريطانيا» فهم إذن غير بريطانيين ولا يحق لهم العيش على أراضيها.

ومن هنا أود أن أطرح تساؤلاً مهماً سيفتح الكثير من أبواب الجدل والجدال؛ لماذا يتخلى الأشخاص المنتمون للأحزاب والجماعات والتنظيمات المتطرفة عن مواطنتهم لدولتهم؟، ويعتبرونها جزءاً من خطة التدمير والدمار التي يجب إزالتها بزعمهم أنها تمنع إقامة حدود الله، وتتخذ من شعاراتها أساساً ومنطقاً ومبرراً في محاربة الدولة!!

في الحقيقة وبعد دراسة الكثير من الجماعات المتطرفة أو التي تتخذ من الدين شكلاً أو غطاءً شعارياً تتدارى تحته سنجد بأن الأفكار التي يوجدونها في نفوس أفراد التنظيم قوية للغاية، وهذا يجعلنا نضع أيدينا على جزئية هامة في التغلب على هذه التنظيمات.

إن المنهجيات الفكرية المتطرفة التي يُربى عليها منتسبو هذه الجماعات المتطرفة تعمل على غسيل الأدمغة وزرع نزعة انتماء شديدة لهذا التنظيم، فما يفعله هؤلاء أنهم يلعبون على العاطفة الدينية والمظلومية التي يفهمون أفرادهم بأن جميع من على الأرض يتآمر ضد الإسلام والمسلمين، وأن هذه الجماعات هي من ستحيي الإسلام، وسترفع راياته عالياً، وأنها هي الوحيدة التي تطبق تعاليم الإسلام، والجزئية الأهم في هذه الأفكار المتطرفة زعمهم أن الدولة التي يسعون لـتأسيسها هي طوق النجاة للوصول إلى بر الأمان.

لا مانع إن اعترفنا ببعض نقاط القوة التي لعب على خيوطها عدونا، فمن أبسط قواعد المواجهة أن تعرف نقاط القوة والضعف للخصم الذي تواجهه، وخصمنا تنظيمات متطرفة تتشابه في الفكر والأفكار والسياسة والنهج والأساليب، ولن نستطيع التغلب عليها إلا إذا سبقناهم بخطوة أساسية، وهي أن نوجد عقيدة المواطنة، نهج المواطنة، دولة المواطنة، سياسات الانتماء للوطن، أساسيات المواطنة الناجحة، وغيرها من المفاهيم التي تعزز مكانة الوطن وجعله في المقام الأول كهدف للسعي لرقيه، ونهج للدفاع عنه.

إن كانت التنظيمات الإرهابية تفوقت على المواطنة الحقيقية لبعض الأشخاص وجذبتهم نحو أفكارها وتناسوا الوطن الذي ينتمون إليه فهنا علينا مراجعة ما أدى إلى هذا الذي جعل الشباب ينتمون لأحزاب هدفها زعزعة أمن واستقرار الأوطان.

ولحل هذه الإشكالية علينا أن نرجع إلى أساسيات تكوين العقيدة البشرية، والتي أهمها الوالدان، المدرسة، المجتمع، وعندما نوجد مفاهيم حقيقية للمواطنة الصالحة والانتماء للوطن في جميع هذه العناصر سنتغلب على مسألة الانتماء لأحزاب وتنظيمات إرهابية على حساب الوطن، وهذا لن يحدث بمجرد إطلاق شعارات أو أغانٍ أو احتفالات وطنية، إذ يتوجب أن يترافق ذلك مع ترسيخ مفاهيم المواطنة وحب للوطن في السراء والضراء، ولكي نغلق الباب في وجه هذه التنظيمات وحماية أبنائنا منهم علينا أن نؤسس لفكر يوضح التزام نظام الدولة ونهجها وسياساتها وشكلها ومؤسساتها بدعم الإسلام، فلا يمكن لدولة توجد في نظامها الوزاري وزارة خاصة للشؤون الإسلامية أو الشؤون الدينية أن تكون معادية للإسلام.

إن الانتماء للدين الإسلامي لا يتعارض أبداً مع أي مواطنة مهما كانت، فالعقيدة الإسلامية تحث على حب الوطن ووجوب الدفاع عنه وعن مقدراته، وقد تتعدد أشكال الدول وأساليب الحكم فيها، ولكن كل هذا لا يعطي للإنسان الحق بأن يكون مصدر خراب لوطنه، وهذا الفعل مدان في جميع الشرائع السماوية، ولكن اللعب الخفي من قبل قيادات التنظيم المتطرف على مسألة المواطنة هو من جعل الكثيرين يرون في أوطانهم بلداناً تعادي الدين والشريعة.

لا يمكن لأية دولة أن تمنع أي إنسان من القيام بشعائر دينه مهما اختلفت وتنوعت، فلا مشكلة البريطانيين ولا غيرهم ممن انضم لجماعة أو تنظيم متطرف إرهابي أنه مُنع من إقامة الصلاة، إنما الفكر الذي أوجدته هذه التنظيمات كان أكبر من أية مواطنة، وعلينا مواجهته بذات النهج والسياسة بأن ندعم أفكار ومبادئ راسخة لا تقبل الشك أو الظن، الوطن والمواطنة قيمة لا تباع ولا تُشترى بأي ثمن، وهي فوق أي اعتبار وأي تنظيم، فلا الدولة تحارب الإسلام ولا الإسلام يحارب الدولة.

Email