استشراف مستقبل الطاقة المستدامة

ت + ت - الحجم الطبيعي

منذ عام 1950، ومنذ ظهور النفط واستخداماته على واقع الحياة، ازداد عدد البشر على الكرة الأرضية بمعدل ثلاثة أضعاف، وتغيرت كل ملامح الحياة على الأرض، فالزراعة استغنت عن الأيدي العاملة في الحقول بآلات تعمل بالوقود المستخرج من باطن الأرض، لكن بالمقابل، فإن متطلبات الزراعة التي تعتمد على النفط جاءت كبيرة، فمثلاً، تحتاج 100 لتر من المياه لإنتاج كيلو غرام واحد من البطاطا، و4 آلاف لتر من الماء لإنتاج كيلو واحد من الأرز، و13 ألف لتر من الماء لإنتاج كيلو واحد من لحم البقر، هذا عدا كميات النفط التي تحتاجها الآلات الزراعية.

وازدادت نسبة صيد الأسماك 5 أضعاف منذ 1950، من 18 إلى 100 مليون طن متري في السنة من الأسماك، نظراً لممارسة المصانع للصيد بسفن النفط، وثلاثة أرباع أماكن صيد الأسماك استهلكت وباتت مستنزفة، ما أدى إلى انقراض أنواع كثيرة من الأسماك.

واقتصادياً، فقد ازداد حجم التجارة الدولية 20 ضعفاً عما كان عليه منذ عام 1950، بسبب ازدهار النفط، ويعتمد التبادل التجاري على الشحن البحري بنسبة 90 %، فتتجه في كل عام 500 مليون حاوية نحو بؤر الاستهلاك الرئيسة.

ومنذ 1950، اكتسبت إزالة أشجار الغابات زخماً وسرعة، وحتى غابات الأمازون فقد خسرت 20 % من مساحتها، وتزال الغابات لإنشاء مزارع للمواشي أو لزراعة فول الصويا الذي يستخدم 95 % منه لإطعام المواشي والدواجن في أوروبا وآسيا، فيتم بذلك تحويل الغابات إلى لحوم.

وفي بونيو مضرب التنوع البيولوجي النباتي في العالم، يتم التوسع في إزالة ذلك التنوع لزراعة نوع واحد هو نخيل الزيت، الذي يستخدم زيته كوقود بديل وفي مواد التنظيف، ومواد التجميل، وصناعات غذائية أخرى، وهناك غابات أخرى تباد لزراعة شجرة الأوكابيتوس، التي يستخلص منها لب الورق، الذي زاد الطلب عليه 5 أضعاف خلال 50 عاماً فقط، أي بعد استخدام النفط وظهور مكائن الطباعة بمختلف أنواعها.

ولعل هذا الحاصل، هو تجسيد لتدمير الأساسيات من أجل الكماليات.

كل هذا وأكثر، يقود العالم اضطرارياً نحو الطاقة البديلة.

وكما يبدو، فإن أهمية الطاقة المتجددة والبديلة، تتزايد أكثر كلما أردنا أن نتحدث عن المستقبل، والاستثمار فيها يمثل بُعداً اقتصادياً وصحياً صديقاً للبيئة.

وتسعى بعض الدول إلى ضمان مستقبل أبنائها، من خلال السعي إلى توفير بدائل للطاقة، تضمن لهم العيش الكريم والمستدام، ولم يعد الاستثمار في الطاقة المتجددة عالمياً رفاهية أو ترفاً، بل أصبح حاجة لا بد منها اقتصادياً وبيئياً.

فالطاقة النفطية مهددة بالنضوب خلال 100 عام على الأكثر، يقابلها طلب متزايد على الطاقة عالمياً. بالإضافة إلى تهديدات المناخ وتقلباته، والأهم هو أن الموارد الجوفية، سواء كانت مياه أو نفط، هي موارد غير متجددة وغير قابلة للتجدد حالياً.

ويؤكد علماء الجيولوجيا، أنه وقبل نهاية هذا القرن، سيؤدي الإفراط في استخراج المعادن، إلى نضوب احتياطي الكوكب كله. ولذلك، فإن الطاقات الخمس، الشمس والرياح والمياه والطاقة الحيوية والطاقة المستخرجة من النفايات، مرشحة وحدها لسد النقص العالمي لاستهلاك الطاقة المتنامي حالياً، وإحلالها تدريجياً مكان الطاقة الأحفورية لدى نضوبها، وهو ما تعمل عليه الاقتصادات العالمية العملاقة.

وقد فطنت الأمم المتحدة إلى أهمية الطاقة البديلة، وذلك الخطر الذي يهدد البشرية، فأطلقت مبادرتها «الطاقة المستدامة للجميع» عام 2011، بأهداف ثلاثة، هي ضمان حصول الجميع على خدمات الطاقة الحديثة، ومضاعفة المعدل العالمي لتحسين كفاءة استخدام الطاقة، ومضاعفة كميتها المتجددة في مزيج الطاقة العالمي بحلول عام 2030.

وبالنظر إلى تلك الأهداف، نجد أن الطاقة المستدامة توفر فرصاً جديدة للنمو، حيث إنها تمكن الشركات من النمو وتوليد فرص عمل، كما تخلق أسواقاً جديدة.

وثمة أكثر من مليار وأربعمئة مليون شخص لا يحصلون على الكهرباء في العالم، ويحصل مليار شخص آخرون على الكهرباء بشكل متقطع، وهناك ما يقرب من ثلاثة مليارات شخص، أي ما يقرب من نصف البشرية، يعتمدون على الكتلة الحيوية التقليدية، مثل الخشب أو مخلفات النباتات لأغراض الطهي والتدفئة، ما يسبب لهم الوفاة المبكرة، بسبب تلوث الهواء داخل البيوت، عدا ذلك، فإن الطاقة، الإمداد بها وتحويلها واستخدامها، هي المسهم المهيمن في تغير المناخ، بحيث تمثل حوالي ستين في المئة من مجموع انبعاثات غازات الاحتباس الحراري العالمية.

وهناك مبادرات أخرى كثيرة في دول مختلفة في العالم، منها آيسلندا، ولها الريادة، وألمانيا والصين والجزائر، وأيضاً مبادرة «مصدر» في دولة الإمارات العربية المتحدة، التي أطلقت في أبوظبي لتنويع مصادر الدخل، والتحول إلى اقتصاد مبني على المعرفة، من خلال التطرق للطاقة المتجددة والتنمية المستدامة، من خلال البحث والدراسات للتطبيق بشكل كبير. بالإضافة إلى مشروع صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، لتوليد الطاقة المستدامة في الصحراء.

وخلاصة القول، فإن الطاقة محورية بالنسبة لكل تحدٍ رئيس يواجه العالم، فإمكانية حصول الجميع على الطاقة جوهرية، سواء من أجل فرص العمل أو الأمن أو تغير المناخ أو إنتاج الأغذية أو زيادة الدخل.

علاوة على ذلك، فإن التكنولوجيات الجديدة، بما فيها تطبيقات الذكاء الاصطناعي، التي يتواصل تحسينها، تؤكد أهمية الطاقة المستدامة وأفضليتها وتناسبها مع ذلك التطور الحاصل، ومن ثم، التحول نحو مسار اقتصادي أكثر استدامة، هو بلا شك اقتصاد المعرفة. وللحديث بقية.

Email