تعالى الله عن أحزابهم المصطنعة

ت + ت - الحجم الطبيعي

الله منقذ الإنسان من الشر، وحامي البشر من أي مكروه، إنه الرجاء، بل هو الوحيد الذي يرتجى ويُشكى إليه، حتى قالت العرب: «الشكوى لغير الله مذلة».

الله هو الآمر الذي يجب الالتزام بأوامره: لا تقتل، لا تسرق، لا تعتد، لا تغش، لا تكذب. وجميع هذه الأوامر مرتبطة بحق الإنسان في الحياة الكريمة والحرة.

في جميع الأديان البشر هم الذين يحتاجون إلى الله للاستقواء به على مصائب الزمن فيما الله لا يحتاج إلى أحد، إنه غني عن العالمين.

فما قصة هؤلاء الذين يكونون أحزاباً أرضية باسمه؟ ويقتلون المختلفين باسمه، ويعلنون الحرب على المجتمع باسمه، ويحتلون المدن باسمه، ويعقدون الصفقات باسمه، ويرتكبون كل ما حرم الله باسمه؟، تعالى الله عمّا يصنعون.

تأملوا الحركات والجماعات التي تتخذ من الله ذريعة للوصول إلى السلطة. أو دفاعاً عن السلطة، وترتكب باسمه أبشع الجرائم، ستجدون بأن هذه الأقلية الأيديولوجية مؤسسة على أمرٍ واحد وحيد هو رفض الآخر المختلف عن أيديولوجيتهم رفضاً يصل حد القتل.

ولهذا ليس هناك فروق كبيرة بين الحركات الإسلاموية العنفية. بل إن التاريخ الهامشي والزائف الذي يمثله أصحاب المهدي المنتظر والحاكمية لله، وأنصار الله وأحزاب الله والسلطات المنهارة لحظة عابرة ولكنها قاسية في مسار التراجيديا التاريخية نحو الحرية والحياة الكريمة، والصراعات التي تقوم بين هذه الحركات ليست سوى صراعات بين المتشابهين على الغنائم.

لعمري إن السؤال الرئيس والمهم هو: كيف لنا أن نعجل بانتصار الإنسان العاقل وانتصار العقل والمعقول لنقي المجتمعات من عذابات أبنائه؟

وعندي بأن الوصول إلى مرحلة تعلن فيها مجتمعاتنا السير على طريق إنجاز سعادتها وعيشها المشترك والانتصار على سلطة الغريزة المعادية لفكرة الحق، والكفاح المدني من أجل الوصول إلى دولة المجتمع، هي دولة كل فرد، وهي دولة الحق.

هذا مستحيل التحقق إلا بالعمل الحر في مجتمع يعبر عن ذاته ويكون شخصيته السياسية والمدنية. وخلق ذهنية الاعتراف بالحق، حق الأنا والآخر لتصبح ذهنية مجتمعية كلية وذهنية فردية. هذه الذهنية وحدها تلغي العنف كوسيلة لحل الاختلافات.

وهذا الأمر يتطلب، قبل كل شيء، تحرير الإعلام وما شابه ذلك من أي خطاب كراهية. سواء أخذ الخطاب طابعاً قومياً شوفينياً، أو طابعاً دينياً تعصبياً. فقدرة الإعلام ووسائل التواصل على تشكيل الوعي اليوم لم يسبق لها مثيل منذ اختراع الطباعة في أوائل القرن السادس عشر.

فضلاً عن ذلك فإن دخول معرفة الواقع والمجتمع إلى عالم دراسة المشكلات والظروف المهيئة لانتشار الوعي العنفي الأصولي أمر في غاية الأهمية. ودون إعادة الاعتبار للعلوم الإنسانية: علم النفس بفروعه المختلفة وعلم الاجتماع بأنواعه وعلم التاريخ والاقتصاد السياسي وعلم السياسة والأنتروبولوجيا والفلسفة، من الصعب فهم طبيعة المجتمعات ونفسياتها وذهنياتها والأخطار المستترة وراء السطح الهادئ.

وهذه العلوم إذا ما توافرت في أصحابها خصلتا الموضوعية والشجاعة فإنها لا تقل أهمية عن قوة المجتمع المادية في الرقي والتقدم.

والحق بأن المجتمع بنية ذات عناصر مترابطة جداً، فلا ينفع معها الاهتمام بعنصر من عناصر البنية وإهمال الأخرى. ولهذا فإن خطر الأصولية العنفية من الحاكمية لله إلى ولاية الفقيه لا تنحصر في جانب دون آخر، كما إنها ليست نتيجة عامل واحد. ومواجهتها لن تتم إلا بنظرة كلية متعددة الوسائل وليس بوسيلة واحدة.

 

 

Email