بنك معلومات المتقاعدين

ت + ت - الحجم الطبيعي

تخسر بيئات العمل العربية سنوياً مئات الألوف من المتقاعدين الذين لا يحظى جلّهم بفرصة الاستفادة من خبراتهم، ولا تكاد تجد جهة تتابعهم أو تطور من قدراتهم.

أما في اليابان مثلاً فلدى المتقاعد فرصة القبول في «جامعة المتقاعدين» شريطة تجاوز الستين عاماً لتقدم له برامج نظرية وتطبيقية مناسبة تؤهله لدراسة ما يحب ثم ينخرط في أي مجال يفيده ويسليه في الحياة، فلا يشعر بأنه عالة على أحد. فالدراسة فيها مجانية والسكن المريح، فضلاً عن توافر جميع مستلزمات الرعاية الاجتماعية.

ألمانيا أيضاً أنشأت «هيئة الخبراء المسنين»، وهي حاضنة لنحو خمسة آلاف متقاعد نجحوا في تقديم خبراتهم واستشاراتهم للبلدان النامية ويؤدون مهامهم بصفة تطوعية.

وهنا في بريطانيا، حيث أكتب هذا المقال، أشاهد يومياً المتقاعدين يساعدون مرتادي الطرق في تسيير حركة المرور بالتنسيق مع المدارس، وهو عمل نبيل يقدمونه للمجتمع وقد يحفظ أرواح أطفال أبرياء من رعونة المتهورين. ورأيتهم في الولايات المتحدة يقومون بمهام إشرافية مثل إدارة ضباط سابقين لبعض أقسام شركات خدمات أمنية أو إشراف غيرهم على متاجر أو أمكنة عامة مهمة.

وفي أميركا هناك «جمعية المتطوعين المتقاعدين» التي أنشئت عام 1969 لتساعد كل من بلغ 55 عاماً في إيجاد فرص عمل لخدمة المجتمع، كل حسب طاقته وميوله. وهذا الاهتمام هو سمة من سمات المتحضرين وربما هذا ما جعل السويد البارزة في مضمار التنمية البشرية تحتل رأس قائمة أفضل البلدان في توفير حياة رغيدة لكبار السن، حل بعدها بلدان غرب أوروبا وشمال الولايات المتحدة، وجاء في ذيل القائمة أفغانستان وفق دراسة عالمية شاركت فيها الأمم المتحدة.

نحن العرب أولى من السويد وأميركا وغيرهما، لأن تلك البلدان تزخر قطاعاتها بخيارات هائلة لمن أنهوا حياتهم المهنية، أما في عالمنا فيحتاج الأمر إلى جهة أو بنك «معلومات للمتقاعدين» لكي يتعاون معه القطاع الخاص والعام لإيجاد من يستحق شغل الوظيفة. ونظراً لاعتبارات السن فإنهم بحاجة إلى متابعة دائمة لقياس مدى استعدادهم الذهني والنفسي والصحي بصورة دورية لتحديث قاعدة بيانات البنك.

المتقاعدون العرب يمكن أن يقوموا بخدمات متعددة. فمنهم من يصلح للانضمام لهيئات استشارية عليا، ومنهم من لديهم استعداد ميداني أكثر مثل القيام بدور المرشدين والمتطوعين في المستشفيات والمكتبات وحالات الإغاثة وضبط النظام.

فلم لا يكون، مثلاً، لدى عينة ثقات من الضباط المتقاعدين دفتر «المخالفات غير المباشرة» لضبط النظام في الطرق في مقابل مادي، وهلم جرا. فابن البلد أولى بالمردود المادي لاعتبارات عدة، فهو على أقل تقدير سيبقي المبالغ في اقتصاده وربما استثمرها، ومن جهة أخرى فهذا اللقاء المادي هو عربون وفاء يقدمه له القطاع الخاص أو العام امتناناً لمسيرته المهنية الزاخرة.

إنشاء «بنك معلومات المتقاعدين» أمر في غاية الأهمية في أوقات الرخاء، ناهيك في المحن التي تتعرض لها البلدان. ولذا كان هناك «حرس وطني» يقوم بمهام متعددة جلها ليست عسكرية لتسيير أمور البلاد في العالم. وسيكون بنك المتقاعدين رافداً كبيراً للدولة ببياناته المحدثة عن أبناء الوطن الذين يسهل الوصول إليهم وقت الحاجة.

 

Email