إيران.. «ولا نص كلمة»

ت + ت - الحجم الطبيعي

كثيراً ما نستخدم بلغتنا العامية جملة «ولا نص كلمة»، التي تعني أن تقول للطرف المقابل بلهجة حادة بأن يلتزم بالصمت فلا نريد سماع المزيد من المهاترات، وكثيراً ما يرافق هذه الجملة حركة معروفة بأن نضع أصبع السبابة «الشاهد» متقاطعاً مع الفم كإشارة لمنع الكلام.

حقيقة، نحن بحاجة كوننا وطناً عربياً كاملاً لأن نقوم بالفعل نفسه مع إيران ونظامها الملالي، فما زالت التدخلات الإيرانية وعبثها بالمنطقة مستمرة حتى هذه اللحظة، وما أظهرته الأزمة اللبنانية الأخيرة، بعد أن قدم رئيس الوزراء سعد الحريري استقالته اعتراضاً على التدخلات الإيرانية، ودعمها حزب الله يبين لنا أن التحركات ضد إيران لتحجيمها وتحجيم نفوذها بالمنطقة قد بات قاب قوسين أو أدنى، خصوصاً أن التوجه العالمي يوجه أصابع الاتهام نحو طهران ونظامها كونها أحد بؤر الإرهاب في العالم، ولكن علينا أن نحذر كل الحذر من سيناريوهات مغايرة لما نراه على السطح.

صحيح أن القيادة الأميركية بدأت بتحريك المياه الراكدة مع إيران، وبدأت بفتح ملفاتها السوداء والتي تغاضى عنها نظام أوباما سابقاً، لكن هذا وحده لا يكفي، فما زالت إيران تعبث بأمن الشعوب وتقوض أمنهم على حساب نهجها الاستدماري، والذي أمتنع أن أنعتها بالاستعماري، لأن الاستعمار مستخلص لفظه من التعمير والعمار، وكل ما يأتي من إيران فهو دمار. نظام إيران اتخذ من قضية السنة والشيعة ستاراً يتدارى خلفه لتنفيذ مطامعه السياسية التوسعية تماماً كما التف حول القضية الفلسطينية للوصول إلى أهدافه التخريبية، فلو رجعنا للتاريخ القريب فسنجد أن تصريحات إيران أبان حربها مع العراق كانت تُفيد بأن بغداد بوابتها إلى تل أبيب، ولكن لم ولن تكون إيران يوماً إلا كاذبة تحاول الالتفاف حول الحقائق للوصول إلى أهدافها التخريبية.

توجيه أصابع الاتهام نحو إيران لم يعد يكفي خصوصاً بعد التصريحات الأخيرة، والتي أكدت الإبقاء على الحرس الثوري في سوريا، ومع استمرار دعمها حزب الله في جنوب لبنان، وتسليحها الحوثيين في اليمن فلا بد من اتخاذ إجراءات أكبر وأقوى لحماية أمن شعوبنا العربية، وحسم هذا الصراع الذي تغذيه إيران بالوكالة عبر مليشياتها وحراسها وأحزابها الإرهابية المسلحة.

هذه هي أعمال إيران وتحركاتها في بلاد الشام، أما على المستوى الخليجي فالبحرين هي الدولة الخليجية الأكثر تأثراً بأعمال إيران التخريبية، والتي تأتي بتوجيهات طهران، وقد يتساءل البعض لماذا تصر طهران على إثارة الفتن وافتعال المشاكل داخل البحرين، والسبب أن طهران ترى أن المنامة الولاية رقم 14 لإيران، وترى أنها بوابتها إلى دول الخليج، ولكن هذا الباب قد تم إغلاقه تماماً، ولن نسمح لا لإيران ولا لقطر أن يبقى الباب مفتوحاً، فالخليج حصن حصين يصعب على إيران تجاوزه.

نظام الملالي منذ استلامه الحكم في طهران وهو يؤسس لنفسه مكان الخراب، فأينما تجد الإرهاب فاعلم أنه مرتبط ارتباطاً وثيقاً بإيران، وصحيح أن دولنا العربية كان لها كلمة واحدة ضد إيران في اجتماع وزراء الخارجية العرب في القاهرة في التاسع عشر من الشهر الحالي، والذي تم البحث من خلاله في انتهاكات إيران في المنطقة العربية إلا أن هذا لا يكفي، ولا يجب الاستمرار في التعويل على النظام الأميركي في التصدي للتدخلات الإيرانية، فدخول أميركا إلى العراق هو من سهّل المهمة لإيران في التقرب من بلادنا العربية والعبث بأمنها.

إيران هي الرابح الأكبر من الحرب الأميركية وغزوها العراق، والخوف كل الخوف في أن يعاد السيناريو مرة أخرى في سوريا، وبعد هذا الصراع داخل الأراضي السورية وتضارب المصالح بين روسيا وأميركا المحركين الأكبر للعمليات داخل سوريا، قد يتجه في المحصلة نحو تمكين إيران من سلطة ونفوذ أكبر في المنطقة بأكملها.

إن بقيت خريطة القوى في سوريا على هذا النحو فالأمور كلها تتجه لوجود نفوذ وسلطة إيرانية قوية في سوريا ولبنان والعراق، وسيدعم هذا الموقف الإيراني وحربها بالوكالة في اليمن، وهذه المعطيات بأكملها يجب أن تؤخذ بالحسبان في المشاورات واللقاءات التي تقوم بها القوى السياسية العربية لوقف إيران عند حدها ليس اليوم فقط وإنما في المستقبل أيضاً، فإيران تعول كثيراً على هذا السيناريو في تثبيت أقدامها في المنطقة، وتقاربها الروسي- التركي سيزيد من احتمالية حدوث ذلك.

الوقوف في وجه إيران يتطلب بذل المزيد من المشاورات السياسية مع جميع الأطراف المتداخلة بالقضية السورية، والضغط على أقطاب السياسة العالمية «أميركا وروسيا» بوجوب التفكير بأمن وأمان واستقرار المنطقة، والذي لن يحدث طالماً ترى إيران لنفسها موضع قدم داخل أراضينا العربية.

ولو رجعنا لما قبل وجود نظام الملالي لوجدنا أن الطائفة الشيعية كانت تعيش بسلام داخل أقطار الوطن العربي، ولكن الشحن الإيراني ولعبها على هذه الورقة الحساسة هو ما جعل شعوبنا تغلي ويمزقها هذا الشرخ الطائفي، ومشكلتنا مع إيران مشكلة سياسية لدولة تريد أن تزيح الجميع من أمامها وتصل لأهدافها على حساب مقدراتنا ونهضتنا وتاريخنا، ولهذا نحارب تقدمها ونبيد محاولاتها ونعزيها للفشل.

إن في استقبال مقتدى الصدر في السعودية ومقابلته صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان، وحضوره إلى الإمارات ومقابلته صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة يمثل رسالة قوية لنظام إيران أننا نرى فيهم دولة مغتصبة إجرامية دموية، وهذا ما على جميع الأطراف أن تراه، والتاريخ والحاضر خير شاهد على تدخلات إيران في المنطقة العربية ومحاولاتها أن تجد موطن قدم على أراضيها، لإرجاع أمجاد بلاد فارس.

سنرفع الصوت في وجه إيران ونقول لها «ولا نص كلمة»، ولا نصف حركة باتجاه أراضينا ومواطنينا في جميع الدول العربية، وعلينا كوننا شعوباً ووزراء وحكاماً في الدول العربية أن تكون الكلمة واحدة وثابتة في وجه نظام الملالي التوسعي لا أن يرى البعض فيها «شريفة» ويرى آخر أن حزبها المدلل أو مليشياتها ليست إرهابية.

Email