إسرائيل وصدمة «فيفا»

ت + ت - الحجم الطبيعي

منذ قيام إسرائيل في العام 1948، لم يتأهل منتخبها لكرة القدم لنهائيات كأس العالم إلا لمرة واحدة فقط. كان ذلك عند المشاركة في دورة 1970 بالمكسيك. هذا الفشل المطول عن بلوغ المونديال لم يلفت نظر صناع القرار في تل أبيب بقوة إلا قبل أقل من أسبوع، حين أعلن الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) عن تقدم فلسطين في التصنيف العالمي الشهري للمنتخبات إلى المركز 82، مقابل المرتبة 98 لإسرائيل.

بمجرد ظهور هذا التصنيف، قطعت ميري ريجيف وزيرة الرياضة الإسرائيلية بيات غيظ الإسرائيليين الممتد من وضعهم الرياضي البائس، وأعلنت غاضبة أن «كرة القدم الرياضة الأكثر شعبية في إسرائيل والعالم، تحظى بدعم وموازنة أعلى من أية رياضة أخرى، ومع ذلك فإنها لاتزال غير قادرة على التأهل للمونديال منذ 47 عاماً».

من المؤكد أن مزاج ريجيف كان سيئاً وعكراً، منذ أخذت وقومها علماً بتأهل 4 دول عربية لمونديال روسيا في الصيف المقبل. لكن يبدو أن هذا السبق العربي الرياضي العام، يظل عند الإسرائيليين من الأمور الممكنة والمحتملة، وإن كانت غير مستحبة ومثيرة للحفيظة. أما أن يشهد (فيفا) بالتفوق الفلسطيني عليهم في أكثر الحقول الرياضية شهرة وشعبية، فهذا مما لا يمكن السماح به أو السكوت عليه.

كأننا هنا بصدد معادلة صفرية. فكل ما يحققه الفلسطينيون بالتحديد من تطور إيجابي أو تفوق نوعي في أي حقل أو مجال، يحسبه الإسرائيليون خصماً من رصيدهم وتكذيباً لروايتهم وتصحيحاً غير مقبول للصورة السلبية التي أشاعوها عن فلسطين وشعبها. هذا ما نفهمه، وما ينبغي أن يفهم، من استشاطة وزيرة الرياضة التي لاتتمتع بروح رياضية، بعد ظهور إحصائية (فيفا).

لم تعلق ريجيف سريعاً على خيبة منتخبها المدرج ضمن التصفيات الأوروبية للمونديال، وخبأت حسرتها وغيرتها من صعود المنتخبات العربية. ولكن ما إن ذاع تصنيف الفيفا حتى جف ريقها وفجرت مكنون النفس الإسرائيلية المريضة المتربصة تجاه التفوق الفلسطيني«. إن الفشل الذريع الذي مني به المنتخب الإسرائيلي في هذا التصنيف، يلزم وبشكل عاجل فحص الأسباب التي أدت إليه». ثم إن الوزيرة الموتورة خالفت الزعم الإسرائيلي بالخبرة الفائضة في كل شيء، بأن قررت الاستعانة بشركة استشارات دولية متخصصة، لتقديم التوصيات اللازمة للنهوض بالرياضة الإسرائيلية ولاسيما قطاع كرة القدم. هذه مفارقة تثير السخرية، فإسرائيل التي تدعي قوميتها على الشخصية اليهودية «متعددة المواهب والعبقريات»، تعلن عن استيراد خبرة الآخرين لمساعدتها في منافسة الفلسطينيين على سلم (فيفا) !.

بمناسبة توسل الإسرائيليين بالخبرات الخارجية مدفوعة الأجر لمغالبة الرياضة الفلسطينية، نهمس في آذانهم بأن عليهم الاستعداد للحاجة إلى تكرار هذا النموذج في غير قطاع وميدان. نذكرهم بأن الحرص على الإبداع والتفوق والإنجاز في كافة ميادين العلوم والفنون والآداب، سمات لصيقة بالشخصية العربية الفلسطينية، وأن نكبة فلسطين ما ألحقت بالفلسطينيين سوى حالة مؤقتة من العجز والفوضى.

هذا الموقف الملتاث والمحموم ينذر بالمزيد من اجراءات التضييق الإسرائيلية على الرياضة والرياضيين في فلسطين. ندفع بذلك وفي الخاطر أن الاستجابة الفاعلة والترقي الرياضي الفلسطيني، يدوران في سياق تحديات إسرائيلية ضاغطة إلى أبعد التصورات. تتجلي دون حصر في عدم إصدار تصاريح السفر اللازمة لمشاركة المنتخب في الدورات المختلفة ؛ وحجز التبرعات العينية والمالية عن المؤسسات ذات الصلة؛ وتعطيل المنشآت الرياضية ؛ وصولاً إلى استشهاد بعض الرياضيين بين يدي الحروب الإرهابية على المناطق الفلسطينية..

الشاهد أنه بقدر اجتهاد الحركة الصهيونية وكيانها الاستعماري الاستيطاني في إفساد حياة الفلسطينيين وحرمانهم من فرص التعبير عن وجودهم وإبداعاتهم، يجتهد الأخرون في مقاومة هذه الآثام، ويعرضون أنفسهم كشعب يستحق الحرية والاستقلال، في دولة تؤطر هذه الإبداعات وتكون إضافة لمسيرة الحضارة الإنسانية.

Email