تيريزا ماي بين المطرقة والسندان

ت + ت - الحجم الطبيعي

لا تزال خسارة حزب المحافظين البريطاني في الانتخابات العامة المبكرة التي جرت أخيرا تلقي بظلالها على قدرة تيريزا ماي على التفاوض للخروج من الاتحاد الأوروبي.

تقع رئيسة الوزراء البريطانية بين نارين، الانقسام الداخلي وغياب جبهة داخلية موحدة من جانب، والتشدد الأوروبي في التفاوض من جانب آخر. على المستوى الداخلي قدمت الحكومة ما يبدو أنه تنازل يتمثل فى تقديم أي اتفاق يتم التوصل إليه مع الاتحاد الأوروبي للبرلمان للموافقة عليه أو رفضه وهو ما كانت المعارضة تطالب به.

ومع ذلك أكد دافيد ديفيس الوزير المسؤول عن ملف الخروج أن عدم موافقة البرلمان على أي اتفاق لا يؤثر على خروج بريطانيا في مارس 2019 من الاتحاد، وبالتالي ترى المعارضة أنه تصويت فارغ من مضمونه.

يضاف إلى ذلك محاولة رئيسة الوزراء تمرير قانون خاص بموعد الخروج المحدد، ولكن هناك انتقادات حتى من داخل أعضاء برلمانيين من حزب المحافظين لأن هذا يعني عدم إظهار مرونة في التفاوض وإمكانية الخروج من دون اتفاق.

إن الخروج بلا اتفاق يلقى معارضة كبيرة من حزب العمال، ولكنه يلقى قبولا لدى قطاع كبير من حزب المحافظين الحاكم. إن مشكلة التشتت الداخلي والانقسامات الواضحة تضعف من موقف المفاوضين البريطانيين في جولات التفاوض المختلفة، وتزيد من التعنت الأوروبي في هذا الخصوص.

على المستوى الأوروبي هناك تشدد من المفاوضين الأوروبيين فيما يتعلق بفاتورة «الطلاق» بين الجانبين، ووضع الأوروبيين في بريطانيا، وقضية أيرلندا الشمالية. أكد دونالد تاسك رئيس المجلس الأوروبي أخيرا في السويد خلال قمة أوروبية عدم وجود ضمانة للبدء في بحث مستقبل العلاقات التجارية بين الجانبين في قمة الاتحاد في شهر ديسمبر المقبل ما لم يحدث تقدم في الملفات الثلاثة العالقة.

لا يرضى الاتحاد بالمبلغ الذي قدمته تيريزا ماي خلال خطابها في فلورنسا ويقدر ب20 مليار جنيه استرليني وهو يمثل التزامات بريطانيا في ميزانية الاتحاد حتى عام 2021 وهناك مطالبات تقدر ب60-80 مليار جنيه إسترليني، وهو الذي لم تقبل به بريطانيا حتى الآن، ويجد معارضة من جناح الخروج المتشدد مثل دافيد ديفيس الوزير المسؤول عن ملف الخروج وبوريس جونسون وزير الخارجية وغيرهما.

هناك مناقشات جادة داخل دائرة مصغرة لمجلس الوزراء البريطاني لمناقشة ملف فاتورة الخروج ولكن مجلس الوزراء أنكر التقارير التي تقول إن بريطانيا يمكن أن تقدم 38 مليار جنيه استرليني.

أعتقد أن المشكلة هو أن التلويح بإمكانية الخروج من دون التوصل إلى اتفاق لا تدعمه الحكومة بإحصاءات وأرقام. بالرغم من خسارة الأغلبية في الانتخابات الأخيرة، أرى أنه يمكن الاستعانة بعقليات اقتصادية تقوم بتبسيط وإيضاح خيار الخروج من دون اتفاق، وكيف يمكن لهذا السيناريو أن يصب في مصلحة المواطن البريطاني.

وإذا تمكنت الحكومة من عمل ذلك وترويجه من خلال الإعلام، فقد يمثل ورقة ضغط كبيرة على مفاوضي الاتحاد لتقديم تنازلات وعدم التعنت في المطالب.

إذا كانت بريطانيا هي ثاني أكبر مساهم في ميزانية الاتحاد، فيمكنها أن تستخدم هذه الأموال بعد الخروج للقيام بالمشروعات التي كان يدعمها الاتحاد من جانب، ومساعدة المتضررين من الخروج في المرحلة الانتقالية.

يضاف إلى ذلك المصالح الاقتصادية المشتركة بين بعض الدول الأعضاء في الاتحاد وبريطانيا، وسيشكل عدم التوصل لاتفاقات تجارية بعد الخروج خسارة لتلك الأطراف الأوروبية. ومن هنا يمكن أن تستخدم بريطانيا هذا السلاح لزعزعة التشدد الأوروبي وتغيير الموقف بتقديم الاتحاد تنازلات تصب في صالح الطرفين.

أخيرا على بريطانيا الإسراع فى عمل مفاوضات واتفاقات مبدئية مع أطراف خارج الاتحاد الأوروبي يتم تنفيذها عند الخروج. إن التلويح بوجود بدائل تجاريين لبريطانيا قد يحرك بعض الدول الأوروبية للضغط على مفاوضي الاتحاد لتقديم تنازلات والإسراع في الحديث عن مستقبل العلاقات التجارية بين الطرفين.

وكما قال بعض رجال الأعمال البريطانيين كيف يمكن الاستجابة لكل مطالب الاتحاد قبل البدء في بحث العلاقات الاقتصادية المستقبلية. لا بد للاتحاد أن يقدم بعض الخطوات مقابل قيام بريطانيا بالاستجابة لمطالب الاتحاد في خطوات متوازية.

 

 

Email