تقنية «النانو» ما الذي تعدنا به؟

ت + ت - الحجم الطبيعي

يتردد في وسائل الإعلام بين الحين والآخر مصطلح «نانوتكنولوجي» في سياق الحديث عن التطورات التي تجري في مجال الصناعة أو مجال الطب، إلا أن هذا النوع من التقنية لم يوضح بشكل يسمح لغير المتخصص تفهم وتقدير ما يجري من اختراقات على مستوى البُنى الصغيرة جداً، وما يترتب على ذلك من تطورات لن تستثني أياً من جوانب الحياة.

الوحدة المستخدمة عالمياً لقياس الأبعاد هي «المتر» ومضاعفاته وأجزاؤه، «النانو» هو أحد هذه الأجزاء الصغيرة جداً، فالمتر الواحد يتكون من ألف مليون نانو، ولغرض تقريب الصورة من ذهن القارئ فإن الصحيفة الورقية التي تقرأ عليها هذه السطور يبلغ سمكها مئة ألف نانو، ويبلغ قطر شعرة الرأس 75000 نانو، كما أن قطر خلية الدم الحمراء يصل إلى 2000 نانو.

أما «النانوتكنولوجي» فتعني الرؤية والقدرة على السيطرة على التراكيب الصغيرة جداً التي تتراوح أبعادها بين نانو واحد ومئة نانو. بعض الجسيمات النانوية تحدث عرضاً في الطبيعة مثل الرماد البركاني وبعضها يحدث بالصدفة عند حرق الوقود وبعضها الآخر يجري تصنيعه ليناسب غرضاً معيناً.

أنصار التقنية النانوية يروجون لها من منطلق أنها تفتح آفاقاً واسعة لمقاربة العديد من القضايا المستعصية في الوقت الحاضر، منها ما هو بيئي يتعلق بالكشف عن التلوثات ومعالجتها ومنها ما هو صحي يتعلق بالمضادات الحيوية وبالأوعية الدموية.

كما أنها ستحدث ثورة في عالم الصناعة فمنتجاتها ستكون أصغر حجماً وأخف وزناً وأشد متانة وأكفأ وظيفياً، وتستهلك القليل من المواد الخام وستعمل بذلك على زيادة الكفاءة في استهلاك الطاقة.

البحوث في النانوتكنولوجي تتركز على صنع وإنتاج المعدات الفائقة الصغر «رواصف» تعمل لرصف الذرات ومركباتها واحدة واحدة كقطع القرميد، بحيث يمكن صناعة مواد جديدة تختلف في خصائصها عما هو موجود ومألوف، فالجسيمات النانوية للمادة تظهر خصائص مختلفة عن خصائص الجسيمات الأكبر حجماً من المادة نفسها، قوى الجذب بين سطوح الجسيمات النانوية تصبح أقوى وذلك لأن نسبة مساحة السطح إلى الحجم كبيرة جداً فالذرات على سطح المادة أكثر تفاعلاً من تلك التي في قلب المادة.

البدايات الأولى للأفكار والمفاهيم التي تنتمي لعالم «النانو» ترجع إلى ديسمبر 1959 في المحاضرة التي ألقاها ريتشارد فاينمان أحد أبرز علماء الفيزياء النظرية في القرن العشرين في اجتماع الجمعية الفيزيائية الأميركية في معهد كاليفورنيا التقني شرح فيها عملية يتمكن العلماء بوساطتها التحكم بحركة الذرات والجزيئات، أما صياغة المصطلح.

فقد ورد بعد أكثر من عقد من السنين على المحاضرة، ولكن شيئاً صغيراً جداً مثل الذرة من المستحيل أن يرى بالعين المجردة ولا بأفضل المجاهر الضوئية، لذلك لم يكن التفكير بحدوث اختراق تكنولوجي أمراً ممكناً قبل أن تتطور المجاهر الإلكترونية إلى المستوى الذي يسمح بمتابعة أحداث على المستوى النانوي.

أما على المستوى التطبيقي فقد دخلت صناعات النانو في مجالات متعددة فقد استخدمت أكاسيد الألمنيوم والتيتانيوم النانوية في صناعات عديدة منها مجسات استشعار فائقة الدقة قادرة على الكشف عن المستويات الضعيفة جداً من تلوثات الماء أو الهواء، ودخلت في صناعة مواد التجميل والمراهم المضادة للأشعة فوق البنفسجية، واستعملت كذلك في صناعة بعض الألبسة منعاً لحدوث البقع.

النجاح في صناعة صفيحة «الجرافين» في جامعة مانشستر عام 2004 خطوة كبيرة في التقنية النانوية لتخطي قدرات الصلابة المتاحة للمواد طبيعياً فهي صفيحة رقيقة من ذرات الكربون المترابطة بأواصر سداسية على غرار الشكل المميز لخلايا النحل وبسمك ذرة واحدة فقط.

هذا الترابط الفريد يجعل من الجرافين مادة ذات صلابة استثنائية وسمك صغير جداً إلى الدرجة التي يمكن اعتبارها صفيحة ثنائية الأبعاد، فهي أصلب مادة مكتشفة على سطح الأرض حتى الآن، أصلب 40 مرة من الماس و 300 مرة من الفولاذ ومع ذلك يمكن طيها بسهولة.

ويجري الحديث عن استخدام تقنية النانو لتصنيع مادة جديدة قوية كالفولاذ خفيفة كالعظام يمتزج فيها البلاستيك والسيراميك ومعادن أخرى سيكون لها استخدامات هامة عديدة منها هياكل الطائرات وأجنحتها بشكل خاص فهي مضادة للجليد ومقاومة للحرارة. كما من المتوقع أن تتضاعف القدرة على التخزين آلاف المرات في الجيل الجديد من أجهزة الكمبيوتر، فقد دخلت تقنية النانو في صناعة الرقائق الإلكترونية.

ليس هناك حدود لما سيتمخض عن تقنية النانو خاصة في المجال الصحي، حيث تتجول «رواصف النانو» في أجسامنا وفي أوعيتنا الدموية لإزالة العوائق والانسدادات أو تقوم مقام الإنزيمات والمضادات الحيوية الموجودة في أجسامنا. كما سيكون لهذه الرواصف أهمية خاصة في الهندسة الوراثية حين تتعامل مع الحامض النووي «دي إن أي»، الذي يبلغ قطره 2 نانو فقط لتجري عليه التعديلات.

 

 

Email