وزارة التوطين والمسؤولية الكبرى

ت + ت - الحجم الطبيعي

التشكيلة الوزارية الجديدة في دولة الإمارات أذهلت المراقبين لأنها قفزة كبرى نحو المستقبل بكل ما يحيط بذلك المستقبل من توقعات وما سوف يفرزه من متغيرات تتطلب الاستعداد والتهيئة اللوجستية والمجتمعية.

فالتشكيلة ضمت وزارات جديدة ووزراء شباباً تقلدوا وزارات غير تقليدية وكفاءات وطنية لديها الكفاءة وقدم لها كل الدعم لتنطلق بالدولة إلى مصاف الدول الأكثر تقدماً ورقياً.

وفي إعلانه عن التشكيل الوزاري الجديد قدم صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم المبررات اللازمة لهذا التغير؛ فالدولة تحتاج إلى جهود شبابها القادرين على حمل الرسالة باقتدار وبأمانة كما أن الدولة بحاجة إلى إدارات جديدة لتنطلق بالدولة إلى المستقبل بكل مآلاته وكل ما يحمله ذلك التغير من انعكاسات على الملفات الوطنية والعلمية الأخرى كملف الفضاء وملف الذكاء الاصطناعي وغيرها من الملفات التي تحتاج إلى التفاتة فورية وتحريك جهود الدولة لدفعها قدماً إلى الأمام.

من الوزارات التي تغيرت كانت وزارة التوطين والموارد البشرية، وبحسب تصريح صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد فإن التوطين بطيء، وربما كانت أسباب البطء بعضها لوجستي والبعض الآخر متعلق بقضايا اجتماعية ومنها الزيادة الطبيعية في السكان والتنمية السريعة وقضايا أخرى.

وبحكم التصاق الكثير من القضايا الوطنية بهذا الملف تحديداً فإن هذا الملف حاز اهتماماً رسمياً وشعبياً كبيراً.

فملف التركيبة السكانية المختلة وملف تراجع النسبة المئوية للسكان المواطنين وملف التجنيس وما يرتبط بكل هذه الملفات من قضايا اجتماعية أخرى، كلها ترتبط بالمستقبل ليس فقط مستقبل الدولة الاقتصادي ولكن مستقبل كينونة الدولة وبقائها. فماذا يمكن للوزير الجديد أن يعمل لإصلاح الخلل والتسريع في إيجاد الحلول للتركيبة السكانية وفي ملف التوطين ككل.

من الواضح أن هناك عبئاً ثقيلاً سوف يكون ملقى على ظهر الوزارة الجديدة.

فهذا الملف قديم وجديد في آن واحد وليس هناك حلول آنية أو سحرية يمكن توظيفها لحل قضية البطء في التوطين أو إصلاح الخلل في التركيبة السكانية.

فهي قضية لا تخص مجتمع الإمارات فحسب بل كل دول الخليج وبعض الدول المتقدمة أيضاً. ولكن لم يصل أحدها إلى المستوى الذي وصلت له بعض دول الخليج من فجوة كبيرة بين المكون الوطني والوافد.

وعلى الرغم من الدراسات الكثيرة التي قدمت في هذا الجانب فإن القليل منها قدم حلولاً عملية وإجرائية قابلة للتطبيق. فمثلاً، وضعت الكثير من الدراسات يدها على موضع الخلل ولكنها وقفت عاجزة عن تقديم الاقتراحات التي من شأنها إيجاد الحلول في إصلاح الخلل السكاني والذي يؤثر على عملية التوطين.

عملية البطء في التوطين لا يمكن النظر لها منفصلة عن غيرها من القضايا الاقتصادية والاجتماعية وحتى الفكرية أيضاً.

فمن القضايا الاقتصادية المرتبطة بالبطء في التوطين هي قضية السرعة في حركة التنمية والتي تدور رحاها ليلاً ونهاراً وتحتاج إلى أيد عاملة مدربة وماهرة.

فمشاريع الدولة تحتاج إلى المئات من عمال البناء كما تحتاج إلى مئات من المهندسين والموظفين والإداريين.

وعمالة الدولة المواطنة لا تكفي لتمويل عجلة هذه المتطلبات التنموية السريعة، وهكذا تظل العجلة تدور ونظل نحن نتحدث من دون نهاية عن التوطين وعن الحاجة إلى سد الشواغر. ولا يمكن لعملية التوطين أن تصبح حقيقة إلا بالزيادة السكانية الطبيعية التي تتيح لسوق العمل عناصر الاكتفاء والتنافسية في ظل توافر كافة أنواع العمالة المواطنة المدربة والمؤهلة. من جانب آخر فإن للجوانب الفكرية دوراً مهماً في عملية التوطين.

فمن القضايا التي تؤثر على عملية التوطين تلك النظرة القاصرة التي يبديها البعض تجاه العناصر المواطنة على أنها عناصر ينقصها الرؤية والتدريب والتأهيل وأنها لا تصلح لخوض تحديات المرحلة الحالية. هذه النظرة القاصرة هي التي تدفع البعض إلى الاعتماد على العنصر الأجنبي وبالتحديد العنصر الغربي وتهميش العنصر المواطن.

إن تسريع عملية التوطين يحتاج إلى العمل على محاور عدة منها المحور الاقتصادي والذي يحوي تدريب وتأهيل العنصر المواطن وأيضاً تدوير العمالة عبر المشاريع المشتركة؛ ومنها المحور الاجتماعي والذي يحوي التشجيع على الزيادة الطبيعة والإنجاب؛ ومنها المحور الفكري والذي يجب أن يعمل على تصحيح النظرة للعنصر المواطن والنظر له على أنه مساو للأجنبي في الكفاءة وأكثر خبرة من الأجنبي في معرفة متطلبات المجتمع وثقافته.

Email