اجتماع وزراء في معرض الكتاب

ت + ت - الحجم الطبيعي

سررت أيما سرور، حينما شاهدت أمس، أول اجتماع من نوعه في التاريخ، قام به مجلس الوزراء الإماراتي، بقيادة صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد، في قلب معرض الشارقة للكتاب، لإقرار ميزانية "حكومة المستقبل"، وسط مليون ونصف مليون عنوان للمعرفة. هذا الحدث الرمزي بحد ذاته، يعد دفعة معنوية هائلة للعلم والمعرفة، ومن يدورون في فلكه.

كل الأمم المتقدمة وصلت بسرعة مذهلة إلى ضفة الحضارة، بعد أن عبرت جسور المعرفة. ومن لا يولي للعلم اعتباره، كمن يريد أن يمخر عباب البحر بسفينة من دون أن يكترث بفيزيائية الرياح أو الطقس، أو حتى صناعة باخرة تعمل وفق معايير علمية تضمن سلامتها. لا يمكن أن يكون لبلداننا العربية موطئ قدم في عالم يتسابق بصورة مذهلة في ميادين العلم، من دون أن تبنى خططنا على العلم.

صحيح أن العلوم ما زالت تسطع أشعتها من مغارب الأرض، لكننا الآن صرنا نشاهد اختراعات تأتي من مشارقها أيضاً. كل ما في الأمر، أنه يحتاج حاضنة، وهذا سبب هجرة العقول إلى واحات الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا للتعلم والبحث.

البداية الصحيحة، هي أن ترفع جميع البلدان العربية ميزانيات البحث العلمي، نسبة إلى الناتج المحلي، ثم يبنى اتخاذ القرارات المصيرية على تلك الدراسات. فمن المحزن أن نقرأ أن "إنفاق الدول العربية (مجتمعة) على البحث العلمي والتطوير، تقريباً، نصف ما تنفقه إسرائيل. على الرغم من أن الناتج القومي العربي يبلغ 11 ضعفاً للناتج القومي في إسرائيل، والمساحة هي 649 ضعفاً". بحسب تقرير لمركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية.

ولحسن الحظ، فإن العلماء موجودون حالياً في شتى أرجاء المعمورة، وهم على أهبة الاستعداد للانخراط في فرق بحثية تروي نهمهم بالعلوم، ضمن برنامج يقدرهم مادياً ومعنوياً.

أرى أننا نحتاج إلى أهداف ذكية محددة لنتقدم بالعلم، وليس كلمات فضفاضة. من هنا، سررت حينما قرأت في رؤية السعودية، أنها تريد أن تحتل 5 جامعات محلية مرتبة في أفضل 200 جامعة في العالم بحلول 2030، وهذا بلا شك لا يمكن تصوره من دون بحث علمي هائل. وكذلك الحال مع الإمارات، التي ذكرت في رؤيتها مراكز دولية متقدمة محددة في سلم العلوم.

ليس هناك علم من دون بحوث. ولذا، كانت الدراسات مهمة، لأنها تدخل في الابتكار والتطوير، والصناعات، والغذاء، والاقتصاد والإدارة، والتعليم، والأمن وغيرها. ولذا، فهي تحتاج إلى رصد ميزانيات كبيرة مشجعة للبحوث المضنية.

وكم عانيت شخصياً كباحث مع فريقي من صعوبات في الحصول على مبالغ معقولة لأفكار بحثية نراها مهمة لتطوير الأداء الإداري والقيادي في المجتمعات العربية.

والسبب قلة الالتفات للبحث العلمي، الذي قد يقدم لمتخذي القرار دليلاً رصيناً يدعم توجهاتهم.

من هنا، سررت من رمزية اجتماع مجلس الوزراء في معرض الكتاب، الذي كان بمثابة صرخة مدوية للجميع، بأن العلم لا يجب أن يهمل حينما نخطط للمستقبل، وإذا كان العلمُ صيداً، فالكتابة قيده، كما قال ابن القيم.

 

Email