مأسسة السعادة

ت + ت - الحجم الطبيعي

ستظل عبارات السعادة أمراً هلامياً أو كلاماً إنشائياً في أذهان الناس ما لم تؤطر في سياسات تنعكس على أداء الجهات الحكومية والخاصة.

ومن هذا المنطلق سعدت حينما قرأت بتدبر "دليل مواءمة السياسات الحكومية لتحقيق سعادة المجتمع" (100 صفحة) الذي زودتني به وزيرة الدولة للسعادة معالي عهود الرومي حيث وجدت فيه ضالتي أو ما كنت أرى أنه ينقص دولة الإمارات، بعد نجاحها بالمرحلة الأولى في وضع مقياس علمي موثوق به لقياس السعادة.

فمن تجربتنا في القطاع الخاص وعضويات مجالس الإدارات كنا على تواصل وثيق مع كبرى شركات التدقيق والاستشارات العالمية التي لها حضور في المنطقة حيث نلجأ إليها كشركات لتكون سياسات متوائمة مع الأهداف التي نقرها كمجلس إدارة عبر وضع لوائح وإجراءات مكتوبة يسير على هداها القياديون والموظفون.

وهذا أمر مهم جداً لأنه إن لم تلجأ المؤسسات الخاصة والعامة لذلك كانت عرضة لمزاجية من يديرونها فإذا ما فتر حماسهم وجدتهم ينحرفون بالمؤسسة باتجاهات بعيدة عن الهدف المطلوب وربما نحو قرارات تتعارض مع الأهداف المنشودة. وتكون النتيجة انحراف المؤسسة عن جادة تحقيق الأهداف أو معايير الأداء.

على سبيل المثال لا يمكن أن ترفع مؤسسة شعار "خدمة المراجعين هدفنا الأسمى" وليس ثمة مثلاً خطوات أو إجراءات عمل "procedure" يجب أن يتبعه الموظف لقياس ذلك، مثل آلية تقييم واضحة لكل معاملة بعد الانتهاء منها، وقياس ما هو الخلل إن وجد وموقعه بالضبط، بإجراءات يعرفها كل موظف يطلع على دليل السياسات أو الإجراءات. هنا يحول العمل أو أهداف السعادة إلى عمل مؤسسي بعيد عن المزاجية.

كما صار الآن في مقدور كل جهة في الدولة معرفة ما هي الخطوات المطلوبة بالتفاصيل والأمثلة "لإعداد" السياسات الخاصة بها و"تقييمها" و"تطبيقها" بما يتماشى مع توجهات الدولة في الوصول إلى هدف تحقيق نسبة عالية من السعادة لمواطنيها.

وصار بين يدي متخذي القرار أو واضعي السياسات كمية كبيرة من الأفكار والدراسات الرصينة التي تؤكد أن السعادة ليست كلاماً فضفاضاً أو ترفاً؛ حيث إن الأمم المتحدة ناشدت دول العالم بقرار اعتمد بالإجماع (رقم 65/‏309) لاعتبار السعادة "wellbeing" نهجاً شاملاً للتنمية، وطالبت الدول بوضع تدابير إضافية تدفعهم نحو تحقيق السعادة والرفاه عبر سياساتها.

وهذا العمل المؤسسي في غاية الأهمية لسبب بسيط وهو أن البلدان حينما تنفق مليارات الدولارات من خزينتها ولم تتمكن من إسعاد أو حتى قياس سعادة مواطنيها فما الفائدة من ذلك كله؟

 

Email