البرغي والمسمار في الإدارة

ت + ت - الحجم الطبيعي

ما زلت أذكر الكاريكاتير الجميل للفنان السعودي المبدع الوهيبي، عندما نشر بصحيفة الرياض عام 1991، رسماً لكرسي دوار، في مكتب، يرتفع كلما أدرته، على غرار الكراسي القديمة، فقال ما معناه، إن بعض الناس كلما لف ودار ارتفع، مثلما يرتفع هذا الكرسي!

ويبدو أن هذه القضية تلامس أعداداً كبيرة من الناس، حيث لم أتوقع حجم التفاعل الكبير مع تدوينة عفوية أرسلتها في «تويتر»، وكان بها رسم كاريكاتيري طريف، فيه مسمار يقول لبرغي: «كيف أقدر أعيش مثلك من دون (ما أندق) على رأسي (أي أُضرب)؟»، فرد البرغي بثقة: «لازم تلف وتدور»!، وهي كناية عن حال البرغي المطواع الذي يلفه صاحبه كيفما شاء، وقد يخلعه خلعاً، وهو مذعن.

هذان الرسمان لهما إسقاط إداري كبير.. من منا لم يعانِ منه يوماً ما في حياته، فنحن فعلياً نواجه نوعين: الأول مسمار يسمح لكل «من هب ودب» بأن يطأه أو يضره أو يتجاوزه أو يستفزه، ثم لا يحرك ساكناً ضده، فيمعن المسيء في الإساءة للمسمار.

هناك من «يجرب حظه»، إن جاز التعبير، في الإساءة إلينا، أو تفريغ همومه عبرنا بزجر أو نهر، وإذا ما أذعنا تمادى.

ومشكلة المسمار أن خنوعه هذا يجعله عرضة للانكسار حينما يضرب بشدة في جدار، ليجد نفسه قد اصطدم بأنبوب حديدي فينكسر.. حينها لا ينفع الندم. ولذا، فمن الحصافة أن يحصن المرء نفسه بسياج من الكرامة، لا يسمح لكائن من كان بالإساءة إليه.

أما النوع الثاني، البرغي، فقد فهم الحياة بصورة ملتوية.. فليس صحيحاً أن «اللف والدوران» هما السبيل الوحيد للارتقاء في هذه الحياة، وإلا أصبحنا جميعاً في غاية الانحطاط. والسبب أن هناك فئة من الناس لا تحترمك إلا حينما تحترم نفسك، ولا تقدرك إلا حينما تقدر جهودهم.

لدي قناعة راسخة بأنه لا بد أن نضع حاجزاً بيننا وبين الناس، كما يقول المثل الإنجليزي: keep a distance.. هكذا نستطيع أن نحجب شيئاً، ولو يسيراً، من أذى الآخرين.

ولا بد من التأكيد أننا في الحياة لسنا قطيعاً من الماشية يجرنا عديمو المروءة، جراً نحو غاياتهم، ولسنا في هذه الحياة سجادة يطأها المسيئون في طريقهم نحو مآربهم.

Email