من بوش الابن وأوباما لترامب

ت + ت - الحجم الطبيعي

للانتقادات الحادة التي وجهتها الكثير من الرموز السياسية الأميركية لترامب دلالتها المهمة. فالأسبوع الماضي شهد سلسلة من الانتقادات الحادة لترامب، وجهها له رموز حزبه، وانضم لهم اثنان من الرؤساء السابقين، أحدهما جمهوري والآخر ديمقراطي.

فرئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ، السناتور بوب كوركر، الذي ظل على مدى أسابيع يوجه انتقادات حادة وعلنية للرئيس، وصلت لحد التشكيك في قدرته على حكم البلاد، استمرت معركته مع ترامب الأسبوع الماضي، عبر حرب كلامية بين الاثنين.

ورئيس لجنة الدفاع بالمجلس نفسه، السناتور جون ماكين، لا يزال هو الآخر في معركة مع الرئيس، كانت آخر حلقاتها الكلمة التي ألقاها الأسبوع الماضي، وهاجم فيها الأيديولوجية التي يتبناها ترامب، دون أن يذكره بالاسم، حيث وصفها بأنها «وطنية زائفة، صنعها أناس يفضلون البحث عن كبش فداء بدلاً من حل المشكلات». لكن الأمر لم يقتصر على المعركة الدائرة منذ فترة بين الرئيس والرجلين.

فقد وجّه رئيس مجلس النواب بول رايان، انتقاداً مريراً للرئيس، قائلاً: «أستيقظ كل يوم لأتصفح تويتر في مكتبي، لأعرف أي التويتات تحديداً سيكون علىّ لاحقاً أن أتظاهر بأنني لم أرها». ورايان عبّر بذلك عما قاله، تمليحاً أو تصريحاً، مسؤولون بالإدارة والكونغرس، من أن تصريحات ترامب على تويتر، كثيراً ما تفاجئهم أو تحرجهم. وكان آخر هؤلاء، الأسبوع الماضي، السناتور الجمهوري لامار ألكسندر.

فبعد تصريح لترامب، بات ألكسندر ليلته مطمئناً لتأييد الرئيس لمشروع قانون يعده لتعديل قانون الرعاية الصحية. لكنه استيقظ في اليوم التالي على تصريح لترامب على تويتر، يفيد العكس تماماً، ثم تغير موقف الرئيس من جديد بتصريح آخر لاحقاً، يعبر عن تأييد مشروط لمشروع ألكسندر!، والعلاقة المتأزمة بين الرئيس وزعيم الأغلبية بمجلس الشيوخ، ميتش ماكونيل، اضطرت الرجلين لعقد مؤتمر صحافي مشترك خصيصاً، للتأكيد على أن علاقتهما على ما يرام.

لكن لعل الأهم من هذا وذاك، هو ما قاله الرئيس جورج بوش الابن، ثم بعده بساعات الرئيس باراك أوباما. فكلاهما وجه انتقادات لترامب دون ذكره بالاسم.

فقد جرت العادة على أن يمتنع الرؤساء السابقون عن انتقاد الرئيس الذي في الحكم. وبوش الابن تحديداً، من أكثر رؤساء أميركا التزاماً بذلك التقليد. إلا أنه خرج عن صمته، في كلمة ألقاها بولاية نيويورك، انتقد فيها المناخ العام الذي خلقه الخطاب السياسى للرئيس وإدارته، ما أدى للترويج «لنظرية المؤامرة وللفبركة الصريحة». ووجّه انتقاداً مباشراً لسياسة ترامب تجاه قضايا الهجرة والأقليات، مؤكداً على أن الهجرة «ظلت دوماً تجلب الحيوية لأميركا»، ومحذراً من أن «التعصب صار أكثر جرأة» في التعبير عن نفسه، بينما «انحسر التأييد لمبادئ لديمقراطية».

أما أوباما، الذي تحدث بعد بوش بساعات في ولاية نيوجرسى، فقد عبّر عن المعاني نفسها تقريباً، وكان لافتاً أنه استخدم أحياناً التعبيرات ذاتها. فهو قال إن الناس بأميركا لم تعد تشعر بأن الساحة السياسية «تعبر عن أفضل ما بداخلنا، وإنما صارت تنقل العدوى لمجتمعنا»، مضيفاً في كلمته في فيرجينيا، أن «بعضاً مما نراه اليوم» (يقصد التعصب والعنصرية) «كنا نظن أنه تلاشى.

أولئك أناس يريدون العودة لما قبل خمسين عاماً (يقصد قبل حركة الحقوق المدنية). نحن نعيش في القرن الواحد والعشرين، لا القرن التاسع عشر» (أي زمن العبودية). وكان لافتاً أن كلاً من بوش وأوباما استخدم تعبيرات مثل «القسوة» و«التعصب»، في التعبير عن المناخ السياسي.

ولكل تلك الانتقادات دلالتها المهمة. ففي الشهور الأولى لحكم ترامب، كانت الانتقادات تأتى عادة من رموز الحزب المنافس، أي من الديمقراطيين وحدهم، بينما التزمت الأغلبية الساحقة من رموز الحزب الجمهوري، حزب الرئيس، الصمت.

لذلك، فإن الانتقادات المتزايدة من جانب رموز مهمة في الحزب الجمهوري تحديداً، فضلاً عن خروج رئيسين سابقين عن صمتهما، تعني أن هناك شعوراً متزايداً بالقلق، ليس فقط من أداء الرئيس، وإنما من المناخ العام الذي خلقته إدارته. صحيح أن ترامب يمثل ذروة جموح نخبة الحزب الجمهوري الحالية، إلا أن تلك النخبة ظلت في الواقع تستخدم اللغة الشفرية ذاتها، التي طالما استخدمها الجمهوريين عموماً منذ الستينيات في التعبير عن مواقفهم تجاه الأقليات.

لكن ترامب، استخدم اللغة الصريحة التي كانت تستخدم في الخمسينيات، قبل حركة الحقوق المدنية، وهو ما لا يمثل فقط إحراجاً لرموز الحزب الجمهوري، وإنما يعطي دفعة قوية للعناصر المتطرفة، فيخلق مناخاً عاماً، صار فيه «التعصب أكثر جرأة»، على حد تعبير بوش الابن، وهو الأمر الذي يؤدى لنفور قطاعات مهمة من الناخبين الجمهوريين الأكثر اعتدالاً. لكن ذلك المناخ نفسه، يشكل تهديداً حقيقياً لمقدرات الأقليات، المنتمية تقليدياً للحزب الديمقراطي، والتي صارت أعداد متزايدة من أبنائها، تتعرض لعنف المتعصبين.

Email