الإمارات وطن الوفاء

ت + ت - الحجم الطبيعي

قوة الأمم والشعوب لا تحددها ما تملكه من موارد طبيعية ولا تقدر بقدر ما لديها من قوة اقتصادية أو معدلات إنتاجية كبيرة، لأن كل ذلك ليس هو الفعل لكنه نتاج الفعل، فإذا كان هناك حركة رشيدة هادفة كان لهذا كله أثره في حياة الناس، وإذا كان غير ذلك فإن العواقب لن تكون جيدة، والسياج الحامي لذلك والحافظ له هو القيم التي تعلي الشعوب من قدرها وتعمل على ترسيخها وتوارثها عبر الأجيال، إن المنظومة القيمية، التي يتبناها الشعب ويعمل في إطارها ويستند إليها في حركته، هي التي تستطيع من خلالها أن تحكم على مسيرته وتطمئن إلى حاضره ولا تخاف على مستقبله.

إن الأمم التي كان لها الحضور الطاغي والأثر الكبير، إذا بحثت في عوامل القوة وأسباب المنعة والحصانة والقدرة على التأثير، ستجد أن المنظومة القيمية التي تبنتها هي السبب الفاعل والأكبر في حالاتها، وستجد أن خلود أفعالها نابع من جميل دعوتها وعظيم قيمتها، وصدق الشاعر حين قال «إنما الأمم الأخلاق ما بقيت... فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا»، لذا فإن القوة الكبيرة للأمم تنبع من الداخل، والمنعة النفسية أهم بكثير من كل أسباب الحماية المحيطة بها، من هنا فإن ذهاب القيمة نذير بتحلل كافة أسباب القوة الظاهرية أو المادية، بل إن القوة ذاتها لها جناحان أولهما مادي، والآخر قيمي وهو الحافظ لحركته والضامن لرشده، وفي غياب القيمة تصبح كافة أشكال وعناصر القوة في مهب الرياح.

أقول هذا بعد متابعة صورة في الوفاء فريدة، تلك التي جمعت بين صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان وبين الأستاذ أحمد إبراهيم مندي، ذلك المربي الفاضل، أحد الرواد الأوائل من المعلمين الأفاضل، الذين أسهموا في مسيرة التعليم في بدايات الاتحاد، وحملوا أمانة هذه المهمة وأدوا رسالتها السامية، مستذكراً سموه ومعلمه أيام المرحلة الدراسية، وما تحمله الذكريات من مواقف وأحداث مرت عليها سنوات عدة ولا تزال راسخة في الوجدان.

والحق أن هذا المشهد ليس بغريب على أبناء الإمارات، قيادة وشعباً، شباباً وشيباً، مؤسسين ومن حملوا الراية من بعدهم وساروا على دربهم، غير أنه يؤكد على معان كثيرة لتؤكد أن هذه البلاد قامت بالأساس على منظومة قيمية في القلب منها الوفاء، تلك القيمة التي يعتبر الاتحاد تعبيراً عنها، فالاتحاد الذي نتهيأ لنحتفل بنسماته - في قريب الأيام - متوشحاً قلادة العزة وثوب الفخار السادس والأربعين جاء ترجمة وتعبيراً عن الوفاء لشعوب هذه البقعة الطيبة من الأرض، كما أن الحفاظ على رايته ترفرف على قمم الفخار والتقدم وفي صدارة الشعوب والأمم لهو كذلك وفاء لتلك الأمانة الغالية التي تركها السلف الكريم للخلف الأوفياء، لأن القيم هي الأساس المتين لذلك البنيان، لذا فإن المؤسسين حاضرون دوماً في قلوب وعقول وأفئدة أبناء الإمارات ومن حملوا الراية، لم ينقطع ذلك الحبل السري بين أجيال الإمارات المتعاقبة ومن أسس يوماً، وهو درس في الوفاء جميل.

إن زيارة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد لمعلمه مشهد جليّ يجب على أجيال الإمارات أن تستوعب دلالاته جيداً من الناحيتين القيمية والعملية، أما عن الأولى فزيارة صاحب السمو للمعلم في منزله هو تقدير للعلم وأصحابه، وأن العلم سيظل له القول الفصل في شؤون حياتنا، أما من الناحية العملية فتلك رسالة لكل معلم مفادها أن ما تزرعه اليوم هو ما ستحصده في الغد، وأن من يزرع العنب لا يجني الحنظل، وأن ما تغرسه في نفوس طلابك يظل محفوراً في القلب والفؤاد، إنها رسالة لأصحاب تلك المهن السامية في كافة مراحلها وبخاصة الأولى منها، وأن قيمة المعلم بمقدار ما غرسه في نفوس أبنائه، وأن أداء المعلمين اليوم يحدد مستقبل الأوطان تلك حقيقة لا شك فيها، وهو الأمر الذي ثمنه سموه مقدراً عطاء ذاك الجيل من الرواد الذين أخلصوا وتفانوا حتى تركوا بصمات مهمة، وكانت همتهم وعزيمتهم وإخلاصهم تفوق ثراء ثقافتهم ومعارفهم، وكرسوا أوقاتهم وفكرهم وخبراتهم لينهضوا بالأجيال المتعاقبة علماً ومعرفة وقيماً، فكانوا بحق المثل الأعلى والقدوة الصالحة، إن زيارة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد للأستاذ أحمد مندي تعد تكريماً لكل المعلمين في الماضي والحاضر، وتقديراً لدورهم عبر العقود، كما أنها تلقي على عاتق العاملين في حقل التعليم بكافة مراحلة مهمة عظيمة ومسؤولية أكبر في استمرار المساهمة في تلك المسيرة التي تعتمد في أركانها على الإنسان ودوره باعتباره الثروة الأهم، كما أنها رسالة وفاء وقيمة راسخة في نفوس أبناء الإمارات قيادة وشعباً.

Email