حملة «ايكان» وحتمية الشمول النووي

ت + ت - الحجم الطبيعي

مجموعة «الحملة الدولية لإزالة الأسلحة النووية» والمعروفة اختصاراً باسم «ايكان» هي في الأساس تحالف من عدد من المنظمات غير الحكومية المعروفة، تأسست منذ عشر سنوات واتخذت من جنيف في سويسرا مقراً لها، واستهدفت جهود المجموعة في الفترة الماضية لفت الانتباه إلى العواقب الكارثية للأسلحة النووية، ومحاولة التوصل إلى معاهدة تقوم على حظر مثل هذه الأسلحة.

وتنتمي المنظمات غير الحكومية التي تتكون منها المجموعة لأكثر من مئة دولة، ما يجعل تأثيرها بالغاً في أنشطة التوعية والترويج للقضايا التي تختارها، وقد تحولت إلى «قوة محركة» في المبادرة الإنسانية التي أطلقتها عام 2015 للتوصل لاتفاق من أجل نزع السلاح النووي على مستوى العالم، وتوجت هذه الجهود بالفعل في يوليو الماضي بتبني أول معاهدة حول حظر الأسلحة النووية والتي صوتت لصالحها 122 دولة بينما توجت الحركة نفسها بجائزة نوبل للسلام عن العام الجاري.

أما لماذا جاء الفوز بالجائزة في مرحلة دقيقة وخطيرة من تاريخ العالم؟ فذلك مرده ما ظهر جليا في كلمات بيريت رايس أندرسون رئيسة اللجنة النرويجية المانحة للجائزة بأن المنظمة فازت لجهودها غير العادية التي استهدفت إبرام معاهدة تحظر استخدام الأسلحة النووية حيث نعيش في عالم يتزايد فيه خطر الأسلحة النووية أكثر من أي وقت مضى، على حد تأكيدها، وفي حين لم يتردد أعضاء الحملة الدولية لإزالة الأسلحة النووية في الظهور وهم بأقنعة زعماء الولايات المتحدة وكوريا الشمالية، فقد دعت أندرسون الدول التي تمتلك أسلحة نووية إلى البدء في مفاوضات للقضاء على تلك الأسلحة تدريجياً.

في الوقت ذاته يؤكد تيم رايت، الفائز بالجائزة عن الحملة الدولية لإزالة الأسلحة النووية، أن العالم يعاني من وجود نحو خمسة عشر ألف سلاح نووي في الوقت الحالي، ما يجعل حياة مئات الآلاف، وربما الملايين من البشر عرضة للخطر حال نشوب حرب نووية محتملة، الأمر الذي يفرض على كل الدول التحرك نحو عالم خال من الأسلحة النووية، فضلاً عن أن تهديدات باستخدام الأسلحة النووية بدأت تلوح بالأفق من جديد، على خلفية زيادة حدة التوتر في مناطق عدة حول العالم، خاصة أن أي حرب محتملة بين الولايات المتحدة الأميركية وكوريا الشمالية، حتماً ستؤدي لكارثة إنسانية تشمل وفاة مئات الآلاف من الأبرياء، وهذا ما يجب العمل على تجنبه، ومن هذا المنطلق تدعو الحملة حكومتي واشنطن وبيونغ يانغ إلى التحرك من أجل منع وقوع مثل هذه الكوارث بعدما عملت الحملة طيلة الشهور الماضية على إيصال أصوات كل متضرري التجارب النووية وضحاياها حول العالم إلى منتديات الأمم المتحدة والمنظمات الدولية الأخرى.

وتدرك الحملة جيداً وجود أسلحة نووية في كل من الولايات المتحدة وروسيا والصين وبريطانيا وفرنسا والهند وإسرائيل وباكستان وكوريا الشمالية وتعي أن إقناع هذه الدول بالتخلي عن تلك الأسلحة لن يكون بالأمر السهل، ولكن ذلك - وعلى حد تأكيد المسؤولين في الحملة - لا يقلل من شأن وأهمية خطوة معاهدة حظر الأسلحة النووية التي أطلقتها الأمم المتحدة في يوليو الماضي، مع إدانة الصمت الدولي حيال الأسلحة النووية في إسرائيل، وامتناع الأخيرة عن الانضمام إلى معاهدة حظر ذلك النوع من الأسلحة، والسعي في الوقت ذاته لزيادة عدد الدول الداعمة للمعاهدة خلال المراحل المقبلة، حتى يتسنى تحقيق الهدف المتمثل في رؤية عالم خال من الأسلحة النووية، وهو طريق طويل مازال في بدايته.

وقد يكون من المناسب في هذا السياق استعراض مضمون معاهدة حظر الأسلحة النووية المشار إليها، ومن أبرز موادها إلزام كل دولة طرف بألا تقوم في أي ظرف من الظروف بتطوير أسلحة نووية أو أجهزة متفجرة نووية أخرى أو تجريبها، أو إنتاجها أو صنعها أو اقتنائها على نحو آخر، أو حيازتها أو تكديسها والامتناع عن نقل أسلحة نووية أو أجهزة متفجرة نووية أخرى إلى أي جهة متلقية أيا كانت لا بصورة مباشرة ولا غير مباشرة.

ومن الطبيعي جداً أن يهنئ الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش الحملة الدولية لإزالة الأسلحة النووية على الفوز بجائزة نوبل للسلام مشدداً على ضرورة الوصول إلى عالم خال من تلك الأسلحة، باعتبار المنظمة الدولية راعية للمعاهدة الجديدة، إلا أن أطرافاً أخرى لم ترحب بهذه الخطوة مثل أمين عام حلف شمال الأطلسي (الناتو) الذي حذر من أن معاهدة حظر الأسلحة النووية التي رعتها الحملة الدولية للقضاء على الأسلحة النووية «ايكان» قد تقوض التقدم الذي أحرز في مجال نزع السلاح (!!)

ولا شك في أن التخلص من الأسلحة النووية التي تهدد العالم يمثل رغبة مخلصة لدى قوى ومنظمات دولية عديدة ولكنها في الغالب لا تملك الآليات أو القوة الكافية لفرض كلمتها وتطلعاتها في هذا الشأن، ومن هذا المنطلق فإنه لا يوجد عاقل على كوكبنا الأرضي يرحب بالانفلات النووي والصاروخي في كوريا الشمالية مثلاً والذي أخذ أشكالاً متعددة على مدار الأشهر القليلة الماضية وغيرها من دول أخرى «مارقة»، ولكن من المهم قبل الإدانة أو الترحيب وقبل الرفض أو القبول، البحث في الأسباب والظروف التي أدت إلى هذا المأزق الكبير، والأهم أن تكون الرؤية إستراتيجية متكاملة وصولاً إلى تصور واقعي لأسباب الأزمات، وحلولها في الوقت ذاته، ولعل من الضروري في هذا المقام التطرق إلى ما يمكن تسميته بظاهرة «الشمول النووي» للتخلص من مخاطر وكوابيس التسلح النووي.

Email